
يُصرُ أولئك الذين أبَت عقولُهم إلا أن تكون مستعبدةً من قِبل النفس وهواها على القولِ في الإنسانِ ما لم يقل به القرآن! وإلا فكيف جَوَّزَ هؤلاءِ لأنفسهم أن يقولوا بأن معنى قوله تعالى “بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ” ما يتناقضُ ويتعارضُ مع صريح النص القرآني المقدس؟!
وحتى يتبينَ لنا مدى الجَورِ الذي جارَ به هؤلاء على قرآن الله العظيم فلا مناص هناك من أن نتدبر قول الله تعالى آنف الذكر وذلك من بعد استذكار هذا الذي جارَ به هؤلاء على ما جاءنا به قرآنُ الله العظيم بقوله “بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ”. فالقومُ يقولون بأن العداوةَ البينيةَ المتبادلة التي يُشيرُ إليها قول الله تعالى هذا إنما هي بين الإنسانِ والشيطان أو بمعنى أدق: “بين آدمَ وذريته وبين الشيطانِ وقبيله”! فهل بعد هذا القولِ من جانبِ هؤلاء ما يقالُ؟! فالقومُ قد أعرضوا عن ما جاءهم به قرآنُ اللهِ العظيم من تفصيلٍ وتبيانٍ لهوية أولئك الذين تحتم عليهم أن يكون بعضهم لبعضٍ عدو، وأنهم البشرُ ولا أحد غيرَهم. فالبشرُ هم الذي قُدِّرَ لهم أن يكونَ بعضُهم لبعضٍ عدو، والبشرُ هم مَن عَناهم اللهُ تعالى بكلماتِ قرآنه العظيم التي وردت بعد قوله تعالى “بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ”: (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ . قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ) (٢٤-٢٥ الأعراف).
ويتكررُ هذا التلاحقُ بين أمرِ الله تعالى الذي قضى بوجوب هبوط آدم وزوجِه من الجنة، مع ذريتهما التي كانت “موجودةً بالقوة” في مادتِهما الجينية، مرتين أُخريين، وذلك كما يتبين لنا في الآيات الكريمة التالية:
1- (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ) (٣٦ البقرة).
2- (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ. وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ) (١٢٣- ١٢٤طه).
يتبين لنا، وبتدبر ما تقدم، أن القائلين بوجود عداوةٍ بَينيةٍ متبادلة بين بني آدمَ وذريته وبين الشيطانِ وذريته قد اقترفوا جنايةً عظمى بحق قرآنِ الله العظيم بهذا الذي قالوه والذي ما كان لهم أن يتفوهوا به لو أنهم تدبروا ما جاءهم به قرآن الله العظيم دون اجتزاءٍ أو اقتطاع!