من يتدبَّرُ قصصَ سيدِنا زكريا، كما حفظها لنا القرآنُ العظيم، لابد وأن “تُفاجئه” استجابةُ اللهِ تعالى لدعائِه عليه السلام بأن يهبَ اللهُ له إبناً؛ هذه الاستجابةُ التي جاءت بعد سنواتٍ وسنوات من إلحاحِه على اللهِ تعالى بالدعاء! فلماذا استجابَ اللهُ تعالى دعاءَ سيدِنا زكريا بعدَ كلِّ هذه السنوات؟
يُعينُ على الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ أنَّ استجابةَ اللهِ تعالى هذه جاءت مباشرةً من بعدِ أن تأتَّى لسيدِنا زكريا أن يسمعَ السيدة مريم وهي تُجيبُهُ على سؤالِهِ الذي بإمكانِنا أن نتبيَّنه بتدبُّرنا الآيات الكريمة 37- 40 من سورة آل عمران (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ. هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ. فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ. قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ).
يتبيَّنُ لنا بتدبُّرِ ما تقدَّم أنَّ العلةَ من وراءِ استجابةِ اللهِ تعالى هذه، والتي كانت قد جاءت من بعدِ سنواتٍ عدة من إلحاحِ سيدِنا زكريا بالدعاء، لابد وأن تكونَ ذاتَ صلةٍ بما كان سيحدثُ لاحقاً للسيدة مريم من “حملٍ إعجازي”. فحملُ امرأةِ سيدِنا زكريا بسيدنا يحيى عليه السلام كان هو الآخر “حملاً إعجازياً”؛ كيف لا وكانت هي عاقراً، وقد بلغَ زوجُها من الكبرِ عاتياً؟! ففي حملِ إمرأةِ سيدِنا زكريا الإعجازي هذا شهادةٌ بأن حملَ السيدةِ مريم كان إعجازياً هو الآخر، وفي هذا براءةٌ للسيدةِ مريم من أي ظنونٍ وشبهات.
