يظنُّ كثيرٌ منا أنَّ “الجسم” و”الجسد” و”البدن” كلماتٌ تنطوي على ذاتِ المعنى! وهذا ظنٌّ لا يستقيمُ مع ما جاءَنا به القرآنُ العظيم الذي بيَّنَ لنا أنَّ الأمرَ خلافُ ذلك.
فكلمةُ “بدن” في القرآنِ العظيم وردت مرةً واحدة، وذلك في سياقِ حديثِ اللهِ تعالى عن فرعونَ الطاغية: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) (من 92 يونس). يتبيَّنُ لنا بتدبُّرِ السياقِ الذي وردت فيه كلمةُ “بدن” هنا أنَّ معناها هو “الإنسانُ الذي فارق الحياة”. فاللهُ تعالى نجَّا بدنَ فرعونَ الطاغية بعد أن أغرقَه مع جندِه.
أما كلمةُ “جسد”، فلقد وردت في القرآنِ العظيم أربعَ مراتٍ. فهي تجيءُ بمعنى أيِّ كيانٍ “يتجسَّدُ” على مثالِ كائنٍ حيٍّ مما نعرف. وهذا التجسد قد يكونُ تمثالاً مصنوعاً كالعجلِ الذي اتَّخذهُ بنو إسرائيل:
1- (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا) (من 148 الأعراف).
2- (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ. أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا) (88- 89 طه).
أو “شبيها” بالإنسانِ، كالجسد الذي ألقاهُ اللهُ تعالى على كرسيِّ سيدِنا سليمان، وكان من الجن على مثالِ صورتِه: (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ) (34 ص).
كما وتجيءُ كلمة “الجسد” في القرآنِ العظيم أحياناً بمعنى التمثال الشبيه بالإنسان: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ. وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ) (7- من 8 الأنبياء).
و”الجسم” في القرآنِ العظيم يعني الإنسان الحي غير الميت:
1- (قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) (من 247 البقرة).
2- (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ) (من 4 المنافقون).
يتبيَّنُ لنا، وبتدبُّرِ ما تقدَّم، أنَّه لا يحقُّ لنا أن نُماهيَ في المعنى بين “الجسم” و”الجسد” و”البدن”. فالإنسانُ الحي له جسمٌ هو ليس بالجسد، وهو لن يصبحَ بدَناً حتى يتوفاهُ الله. و”الجسدُ” هو إما تمثالٌ لكائنٍ حي، أو مخلوقٌ من الجِن يتجسَّدُ على هيئةِ إنسان بأمرِ اللهِ تعالى بلمحِ البصر.