
نقرأُ في سورةِ الكهف، وفي الآيةِ الكريمة 18 منها، قولَ اللهِ تعالى (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا). فما هو معنى “لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا”؟
ما كان لأبدانِ أصحابِ الكهف أن يكونَ لها الخِيَرةُ من أمرِها فلا تستجيبَ لأمرِ اللهِ الذي قضى بأن ينامَ أصحابُها 309 من السنين، وأن تُبعثَ من بعدِ انقضاءِ هذه السنينَ كلِّها: (فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا. ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا) (11- 12 الكهف) و(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) (25 الكهف).
وهكذا كان هو الحالُ مع كلِّ ما كان يعرضُ لأصحابِ الكهف من عارضٍ ما كان له أن يخرجَ عن طَوعِ “أمرِ الله” الذي إن كان قد قضى وقدَّرَ الأوانَ الذي تحتَّمَ عليهم أن يلبثوه في كهفِهم، فإنَّه قد قضى فقدَّرَ كلَّ ما هو كفيلٌ بجعلِهم بمنأى عن أن يصلَ إليهم من البشرِ أحد. ولقد بيَّنت لنا الآيةُ الكريمة 18 من سورةِ الكهف أعلاه هذا الأمرَ الذي بمقتضاه لم يكن لأحدٍ من البشرِ أن “يصمدَ” لحظةً واحدةً في حضرةِ أصحابِ الكهفِ وهم رقود! فاللهُ تعالى كان ليجعلَ الناظرَ إليهم يفزع لهولِ ما كان اللهُ سيُلقيه في قلبِه من الرُّعب. والرعبُ سلاحٌ إلهي يكفينا حتى نتبيَّنَ بعضاً من ملموسِ أثرِه أن نتدبَّرَ قولَ اللهِ تعالى: (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) (151 آل عمران). فاللهُ تعالى هو مَن نصرَ الذين آمنوا يومَ بدر يومَ ألقى في قلوبِ المشركين الرعبَ فتزلزلَ لذلك كيانُهم ويسَّرَ اللهُ بذلك فرارَهم: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (123 آل عمران).