
نقرأُ في سورةِ العنكبوت، وفي الآيتَين الكريمتَين 48- 49 منها، قولَ اللهِ تعالى: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ. بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ). فمَن هم “الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ” في قولِ اللهِ تعالى هذا؟
يُعينُ على تبيُّنِ الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ الحقيقةَ القرآنيةَ التي مفادها أنَّ “العلمَ” الذي آتاه اللهُ تعالى مَن شاءَ من عبادِه المرسَلين هو ما أنزلَه عليهم من الكتاب. وبذلك يكونُ “الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ” هنا هم ذاتُهم الذين وردَ ذِكرُهم في الآياتِ الكريمةِ التالية:
1- (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) (43 الرعد).
2- (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (199 آل عمران).
3- (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) (197 الشعراء).
4- (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (43 النحل).
فـ “الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ” في الآيةِ الكريمة 49 من سورةِ العنكبوت أعلاه هم “علماءُ التوراة” الذين كانت قلوبُهم تُكِنُّ من آياتِها ما توارثوهُ من العلماءِ الذين سبقوهم شفاهاً ولم يكن مدوَّناً في “قراطيسِ التوراة” من علمٍ ما كان لأحدٍ غيرِهم، حتى وإن كان من مِلَّتِهم، أن يعلمَه، فما بالُك بمن لم يكن من ملَّتِهم، وكان عربياً أُمياً من أمِّ القرى؟ ولذلك كان من علماءِ التوراة مَن سارعَ إلى الإيمانِ بهذا “النبي الأمي” سيدِنا محمد صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) (من 157 الأعراف).