خلقَ اللهُ تعالى الوجودَ بسماواتِه وأرضِه، خَلقاً من بعدِ خَلق، في ستةِ أيام: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) (54 الأعراف). وأيامُ الخلقِ السِّت هذه هي أحقابٌ من الزمانِ لا قدرةَ لعقولِنا على تحديدِها وفقاً لما دأبَت على الأخذِ به في تعاملِها مع وقائعِ الوجودِ وأحداثِه. فيومٌ عند اللهِ تعالى هو كألف سنةٍ من سنينِنا: (وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّون) (من 47 الحج). ويومٌ آخر عند اللهِ تعالى هو كخمسينَ ألفِ سنة من أعوامِنا وسنينِنا: (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (4 المعارج). ونحن لا ندري كم تُمثِّلُ أيامُ الخَلقِ السِّت هذه من أعوامِنا وسنينِنا، وذلك طالما لم يرِد في القرآنِ العظيم أيُّ تحديدٍ بهذا الشأن. ولذلك فليس هناك أيُّ تعارُضٍ بين أيامِ الخلقِ الستِّ هذه وبين ما يقولُ به العلمُ من أنَّ عُمُرَ السمواتِ والأرض يُقدَّرُ بمليارات السنين!
هذا من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى فإنَّ خلقَ اللهِ تعالى للسمواتِ والأرضِ يومَ القيامة لن يستغرقَ من الزمانِ إلا مدةً بوسعِنا أن نُقدِّرَها بتدبُّرِ قولِ اللهِ تعالى: (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) (50 القمر)، وقولِه تعالى: (وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) (من 77 النحل).
وهذا “الخَلقُ اللحَظي” للسمواتِ والأرضِ يومَ القيامة لَيُذكِّرُ بخلقٍ لَحَظي آخر هو خلقُ اللهِ تعالى لبَني آدمَ كلِّهم جميعاً تارةً أخرى يومَ القيامة. فإذا كان الإنسانُ قد خُلِقَ أولَ مرةٍ “خَلقاً تطورياً”، وذلك كما يُبيِّنُه لنا قرآنُ اللهِ العظيم بحديثِه عن تسلسلِ وتعاقُبِ هذا الخلق طَوراً من بعد طور، فإنَّ بعثَ الإنسانِ يومَ القيامة لن يستغرقَ من الزمانِ إلا لحظةً واحدة هي لحظةُ “كُن فيكون”: (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ. إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (81- 82 يس).