
ذُكِرَت كلمةُ “الطُّور” في القرآنِ العظيم في مواطنَ منه عِدة. و”الطُّورُ” في العربيةِ هو “الجبل”، وهي كلمةٌ عربيةٌ قديمةٌ كانت الأصلَ الذي تشعَّبَت عنه كلماتٌ تعني “الجبل” في لغاتٍ أخرى. فكلمة “داغ” في لغات شعوبِ الأناضول والقفقاس مثلاً، والتي تعني “الجبل”، أصلُها هو كلمةُ “الطور”. وبهذا المعنى وردت كلمةُ “الطور” في ثلاثةِ مواطنَ من القرآنِ العظيم منها الموطنَان التاليان:
1- (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (63- 64 البقرة).
2- (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) (154 النساء).
فـ “الطور” هنا هو الجبلُ الذي “نتقَه” اللهُ تعالى (أي رفعه) فوق قومِ سيدِنا موسى في سيناء: (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (171 الأعراف).
أما في غيرِ هذه المواطنِ الثلاث فكلمةُ “الطُّور” تعني جبلاً بِعَينِه، وهو الجبلُ الذي ذُكِرَ في القرآنِ العظيم بصيغةِ “طورِ سيناء” تارة، و بصيغةِ “طورِ سنين” تارةً أخرى:
1- (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ) (20 المؤمنون).
2- (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ. وَطُورِ سِينِينَ. وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِين) (1- 3 التين).
و”طور سينين” (أي “طور سيناء”)، هو الجبلُ الذي كلَّمَ اللهُ تعالى سيدَنا موسى عند جانبِه الأيمن في الوادي المقدس وفي البقعةِ المباركةِ منه: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِين) (30 القصَص). و”جانبُ الطورِ الأيمنُ” هذا هو ما تحدَّثت عنه الآياتُ الكريمةُ التالية:
1- (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا. وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا) (51- 52 مريم).
2- (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) (29 القصص).
3- (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا) (من 46 القَصَص).
و”جانبُ الطورِ الأيمنُ” هذا، هو حيثُ كان الموعدُ الذي واعدَه اللهُ تعالى قومَ سيدِنا موسى: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى) (80 طه).
و”الطور” الذي أقسمَ به اللهُ تعالى في قرآنِه العظيم هو “طورُ سينين”: (وَالطُّورِ. وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ. فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ) (1- 3 الطور). و”طورُ سينين” هذا هو الجبلُ الذي واعدَ اللهُ تعالى سيدَنا موسى عنده، والذي جرت عنده الوقائعُ والأحداثُ التي تتحدَّث عنها الآياتُ الكريمةُ التالية: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ. وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ) (143- 145 الأعراف).
ونظراً للمكانةِ الجليلة التي حظى بها “الطورُ” عند اللهِ تعالى، إذ كلَّمَ اللهُ تعالى عند جانبِه الأيمن كليمَه موسى عليه السلام وشهِدَ كتابةَ اللهِ تعالى في الألواحِ أولى كلماتِه إلى بَني إسرائيل، فلقد سمَّى اللهُ تعالى الكتابَ الذي أنزلَه على سيدِنا موسى فيما بعد “الطوراه” والتي أصبحت تُعرَفُ لاحقاً بـ “التوراة”.