
يظنُّ البعضُ أنَّ الإنسانَ لم يكن يعلم أنَّ له رباً إلهاً هو الله قبل أن يُرسِلَ اللهُ إليه أنبياءَه المُرسَلين! وينسى هذا البعضُ أنَّ الإنسانَ كان يعلمُ أنَّ اللهَ تعالى هو ربُّه وإلهُه منذ أن وطأت هذه الأرضَ أقدامُ أبوَيه آدمَ وزوجِه! فآدمُ ما كان ليغادرَ هذه الحياةَ الدنيا قبل أن يُوصِيَ بَنيه بألا يعبدوا من بعده أحداً إلا الله. فاللهُ تعالى لم يأذن لآدمَ وزوجِه بأن يهبطا إلى الأرض قبل أن يُبلغَهما بما سيؤولُ إليهِ أمرُ مَن أعرضَ عن ذِكرِه وهُداه واتَّبعَ نفسَه وهواه: (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى. وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (123- 124 طه)، (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (38- 39 البقرة).
وهذا الذي أوصى آدمُ به بَنيه هو عينُ ما وصَّى به أنبياءُ اللهِ ذُرِّياتِهم عندما حضرَ أحدَهم الموتُ: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون) (132- 133 البقرة). فالإنسانُ إذاً لم يكن يوماً بغافلٍ عن حقيقةِ أنَّ له إلهاً ورباً هو اللهُ تعالى. وكلُّ ما في الأمرِ أنَّ الإنسانَ إذا ما تقادمَ به الزمانُ وتطاولَ عليهِ العُمُر خالطَت معرفتَه هذه شوائبٌ مما تبثُّهُ النفسُ ويُزيِّنُهُ الهوى فيجنحُ بعدها ويميلُ بعيداً عن جادةِ الحقِّ ويَحيدُ عن سبيلِ الهدى. ولذلك كان حقاً على اللهِ تعالى أن يُرسِلَ أنبياءَه المرسَلين يدعونَ الإنسانَ ليعودَ إلى الله تارةً أخرى.
وبذلك تكونُ الإجابةُ على سؤال “هل كان قومُ نوحٍ يعلمون أن لهم إلهاً هو الله قبل أن يُرسِلَ اللهُ سيدَنا نوحاً إليهم؟” هي بالإيجابِ حتماً. ويبرهنُ على صوابِ ذلك ما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ الآيتَين الكريمتَين التاليتَين: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ. فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ) (23- 24 المؤمنون).