
نقرأُ في سورةِ طه، وفي الآية الكريمة 123 منها، قَولَ اللهِ تعالى: (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ). فمَن هما المخاطبان بقولِ اللهِ تعالى “اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا”؟
تباينت آراءُ المفسرين بشأنِ هويةِ المخاطبَين في هذه الآيةِ الكريمة؛ فمنهم مَن ذهب إلى أنَّهما آدمُ وزوجُه، ومنهم من زعمَ أنَّهما آدم وإبليس. ويُخطِئُ كلُّ مَن يظنُّ ألا ضيرَ في هذا التباينِ في الرأي طالما كان لكلِّ فريقٍ حُجَجُه وبراهينُه! وفسادُ هذا الظنِّ قائمٌ على أساسٍ من أنَّ تدبُّرَ آياتِ القرآنِ كفيلٌ بتبيانِ حقيقةٍ مفادُها أنَّ هذا القرآنَ لا اختلافَ فيه ولا تعارُضَ بين آياتهِ. فلو أنَّ مَن زعمَ أنَّ المخاطبَين هما آدمُ وإبليس تدبَّرَ السياقَ القرآني الذي وردَ خلاله قولُ اللهِ تعالى “اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا” لتبيَّنَ له ألا موجبَ هنالك على الإطلاق للقولِ بهذا الزعم! فلقد كان يكفي صاحبَنا أن يتدبَّرَ بعضاً من الآياتِ الكريمةِ التي سبقت قولَ اللهِ تعالى هذا حتى لا يدَعَ الهوى يتحكَّمُ في حُكمِه فيضطرُّهُ إلى القولِ بما يتعارضُ مع ما جاءنا به قرآنُ اللهِ العظيم:
(فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى. فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى. ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى. قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) (120- من 123 طه).
فاللهُ تعالى إذاً يخاطبُ آدمَ وزوجَه في الآياتِ الكريمة التي تسبقُ قَولَه “اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا” وليس إبليس. وهذا هو عينُ ما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ قولَ اللهِ تعالى الذي يلي قولَه “اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا”: ( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى. وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (من 123- 124 طه). فالمخاطَب هنا هم، بكلِّ تأكيد، بَنو آدم وليس إبليس!!!