
يظنُّ البعضُ أنَّ العلةَ من وراءِ اختلافِ الناسِ فيما بينهم إنما تعودُ إلى ما يتمايزُ به بعضُهم عن بعض في الرأيِّ والدينِ والمعتقد! وهذا ظنٌّ قد بيَّنَ اللهُ تعالى خطأَهُ ودحضَه وفنَّدَه بقولِه: “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ”. فالناسُ سيبقون مختلفين وإن جعلَهم اللهُ تعالى أمةً واحدةً تدينُ بذاتِ الرأي والمعتقدِ والدين!
فالناسُ سوف يختلفون فيما بينهم، وذلك من بعدِ أن جعلَهم اللهُ تعالى أمةً واحدةً لا يتمايزُ أفرادُها فيما بينهم في الرأي والدينِ والمعتقد، وذلك على قدرِ تعلُّقِ الأمر بما سوف يتمايزونَ به في التديُّنِ بهذا الدينِ الواحدِ الذي جعلَهم اللهُ تعالى يَدينون به. فهناك مَن سوف يتديَّنُ بهذا الدينِ الواحدِ التديُّنَ الحق الذي يريدُه اللهُ تعالى، وهناك مَن سوف تشوبُ تديُّنَه بهذا الدينِ الحق شوائبٌ حتَّمَ عليه وجوبَ أن يعانيَ الأمرين جراءَ مخالطتِها تديُّنَه عجزُه عن أن يُحكِمَ سيطرتَه على نفسِه التي هي مبعثُ هذه الشوائبِ ومصدرُها.
ولذلك قالَ اللهُ تعالى: “إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ”. أي إلا مَن كتبَ اللهُ تعالى له رحمتَه فحالَ بذلك دونَ أن يكونَ لنفسِهِ ما يُمكِّنُها من أن ينبثقَ عنها من أسقامِها تلك الشوائبُ التي ما خالطت تديُّنَ أحدٍ من بَني آدمَ إلا وجعلته يحيدُ عن صراطِ اللهِ المستقيم الذي لا نجاةَ من عذابِ اللهِ في الدنيا والآخرة إلا باتِّباعه: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (153 الأنعام).