في معنى قَولِهِ تعالى “فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ”

نقرأُ في سورةِ البقرة، وفي الآية الكريمة 258 منها، قَولَ اللهِ تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين).
يظنُّ كثيرٌ منا أنَّ الذي حاجَّ سيدَنا إبراهيمَ في اللهِ تعالى شخصيةٌ وليدةُ ظرفِها المكاني والزماني، وأنَّها لذلك لا يمكنُ أن تتكرَّرَ مرةً أخرى بتقادُمِ الأيامِ أبداً! وهذا ظنٌّ يدلُّ على أنَّ صاحبَه لا يعرفُ الإنسانَ حقَّ المعرفة! فالإنسانُ إذا ما استعلى في الأرضِ وطغى فإنَّه لن يكونَ بمنأى عن أن تتناوشَه نفسُهُ بما هو كفيلٌ بجعلِهِ يذهبُ في طغيانِه بعيداً، وإلى الحدِّ الذي لا يُستبعَدُ معه أن يصدرَ عنهُ قَولٌ كالذي قالَه الذي حاجَّ سيدَنا إبراهيم في اللهِ تعالى! ويستوي في ذلك عوامُّ الناسِ وعُلماؤهم إذا ما تمكَّنت من واحدِهم نفسُهُ من بعدِ أن مهَّدَ لها ذلك سوءُ حالِه مع اللهِ تعالى. فلسانُ حالِ النفسِ واحدٌ في كلِّ زمانٍ ومكان، ومهما تباينت واختلفت الأعراقُ والأجناسُ والألوان!
فالعلمُ يتوهَّمُ أنَّه يُقدِّمُ تصوُّراً لِما تسنى له أن يحيطَ به من هذا العالَم هو الأقربُ إلى الحقيقة؛ هذه الحقيقةُ التي احتكرَها لنفسِه وفرضَ وصايتَه عليها وجزمَ بأن ليس بمقدورِ أحدٍ سواه أن يقولَ في هذا العالم غيرَ ما تقولُه نظرياتُه التي يتوهَّمُ أنها تقدِّمُ التفسيرَ الوحيدَ لكلِّ ما يجري فيه! فالشمسُ، وفقاً لنظرياتِ العلم، لا يمكنُ أن تُشرِقَ إلا من المشرق! وهذا زعمٌ يدحضُهُ ما يقولُ به الدينُ من أنَّ اللهَ تعالى قادرٌ، إن شاء، على أن يأتيَ بالشمسِ من المغرب وإن كان في ذلك ما يتناقضُ مع العلمِ وما تقولُ به نظرياتُه.
يتبيَّنُ لنا، وبتدبُّرِ ما تقدَّم، أنَّ الحجةَ التي آتاها اللهُ تعالى سيدَنا إبراهيمَ على الذي حاجَّه فيه صالحةٌ في زمانِنا هذا صلاحَها في زمانِ سيدِنا إبراهيم، وأنَّ العلمَ الذي ليس بمقدورِهِ أن يأتِيَ بالشمسِ من المغرب لا يختلفُ على الإطلاق عن الطاغيةِ الذي وردَ ذكرُه في هذه الآية الكريمة. فاللهُ تعالى وحدَه القادرُ على أن يخرِقَ قوانينَ العالَمِ ونواميسَه التي لن يكونَ بمقدورِ أحدٍ من خلقِهِ أن يخرِقَها إلا بإذنه.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s