
طلبَ سيدُنا يعقوبُ من ابنِهِ يوسفَ عليه السلام ألا يُخبِرَ إخوتَه برؤياهُ التي أراهُ اللهُ تعالى إياها: (قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (5 يوسف). فسيدُنا يعقوبُ ذكَّرَ ابنَهُ يوسفَ بما للشيطانِ من قدرةٍ على أن ينزِغَ بين بَني آدمَ نزغاً يحملُ الإخوةَ على أن يكيدوا لأخيهم كيداً إن هُم أصغوا لنزغِهِ فمكَّنوه بذلك من أنفسِهم يُسيِّرُها كيف يشاء. ولكنَّ إخوةَ سيدِنا يوسف لم يكونوا بحاجةٍ لأن يخبرَهم سيدُنا يوسف برؤياه حتى يكيدوا له كيداً، أما وقد تملَّكَهم الحسدُ له حتى جعلهم عاجزين عن الإعراضِ عن نزغِ الشيطانِ وغوايتِه.
وهكذا فلقد جرى ما جرى من أحداثٍ ما كانت لتحدثَ لو أنَّ إخوةَ يوسف اتَّقوا اللهَ حقَّ تُقاتِه، وخافوهُ حقَّ مخافتِه، وخشَوهُ حقَّ خَشيتِه. فتقوى اللهِ حقَّ تُقاتِه تُحصِّنُ العبدَ فلا تجعلُ للشيطانِ عليه سلطاناً ولا تُيسِّرُ له أن يجدَ إلى قلبِه سبيلاً. ونَزغُ الشيطانِ هو ما أشارَ إليه سيدُنا يوسفُ بقولِه الذي حفظته لنا الآية الكريمة 100 من سورةِ يوسف: (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي).
ونَزغُ الشيطانِ هو ما يُصِرُّ كثيرٌ من الناس على الزَّعمِ بانتفاءِ وجودِه ظناً منهم وتوهُّماً بأنَّهم بمأمنٍ من الشيطانِ وكيدِه ومَكرِهِ ونزغِه وإضلالِه وتزيينه واستفزازِه واستزلالِه! كيف لا وهُم يتوهَّمون أنَّهم الأقربونَ إلى اللهِ، والمتَّقونَ له حقَّ تُقاتِه، وذلك تزكيةً منهم لأنفسِهم، وقد علموا أنَّ اللهَ تعالى قد نهاهم عن أن يُزكُّوا أنفسَهم: (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) (من 32 النجم).