
نقرأُ في سورةِ الكهف، وفي الآيةِ الكريمة 65 منها، قَولَ اللهِ تعالى (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا). فَما هو معنى “آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا” في هذه الآيةِ الكريمة؟
يُعينُ على تبيُّنِ هذا المعنى أن نستذكرَ سيدَنا يحيى وما قالَه اللهُ تعالى فيه: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا. وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا) (12- 13 مريم). فاللهُ تعالى كان قد آتى سيدَنا يحيى “حناناً من لدُنه”، فجعلَه ذلك حَنوناً بمخلوقاتِ اللهِ تعالى جميعاً من طيرٍ وحيوانٍ وإنسان. فسيدُنا يحيى كانَ الطيرُ والحيوانُ يلتجئُ إليه في تِرحالِه وتجوالِه في البوادي والقِفار، وكان عليه السلام يُغدِقُ عليها من هذا الحنانِ الذي آتاهُ اللهُ تعالى من لدُنه، فكان يُداوي جريحَها ويَسقي عِطاشَها ويُطعِمُ جِياعَها بما أجراهُ اللهُ تعالى على يدَيهِ ومِن حوالَيهِ من تجلياتٍ وبركات.
وهذا هو ما كان عليهِ “العبدُ الصالِحُ” من حالٍ مع اللهِ تعالى تجلَّى على مَن كانوا بأمسِّ الحاجةِ إلى نصيرٍ ومُعين نَفعاً ونُصرةً وتأييداً. ويكفينا في هذا السياقِ أن نستذكرَ ما نبَّأنا اللهُ تعالى بهِ في قرآنِهِ العظيم من قصَصِ هذا العبدِ الصالحِ والتي تشهدُ لهُ كلُّها جميعاً بما كان عليهِ من مسارعةٍ إلى إجابةِ أمرِ اللهِ تعالى بأن يؤيِّدَ المحتاجَ وينصرَ الملهوفَ ويُعينَ مَن لم يكن يُدرِكُ أنَّ لهُ رزقاً قد ادخَّرَهُ اللهُ تعالى له حتى يجيءَ أجَلُ البَوحِ والإفصاح. فالرحمةُ التي آتاها اللهُ تعالى عبدَه الصالحَ هذا هي “رحمةٌ لدُنية” لم يكن ليملكَ حِيالَها غيرَ أن يتشرَّبَها فؤادُه لتفيضَ بعدَها على المساكينِ من خَلقِ اللهِ تعالى رأفةً وحناناً.