
أتاحَ انهيارُ الاتحادِ السوفيتي للغرب “فرصةً تاريخية” لم يُحسِن الغربُ اغتنامَها، وذلك بعجزِه عن أن يتبيَّنَ ما يتمايزُ به أهلُ الشرقِ عن أهلِ الغربِ من “موروثٍ حضاري” لن ينجمَ عن تجاهلِه، والإعراضِ عن تقديرِه حقَّ قدرِه، إلا ما سيعودُ بوبيلِ الشرِّ على العالمِ أجمع! فإذا كانت الديمقراطيةُ أسلوبَ حياةٍ أفلحَ أهلُ الغربِ في الاستفادةِ منه، وبما عادَ عليهم بما جعلَ من مجتمعاتِهم ترفلُ في بحرٍ من الخيراتِ والنِّعَم، فإن هذه الديمقراطيةَ لا يمكنُ أن تُستنسَخَ عن أصلِها الغربي هكذا ومن دونِ أن يؤخذَ بنظرِ الاعتبار هذا الذي يتمايزُ به الشرقُ عن الغربِ، وذلك على قدرِ تعلُّقِ الأمرِ بما أملَاه على أهلِ الشرقِ ماضيهم من خضوعٍ لسلطانِه أنَّى أطلَّ بأعرافِه وقِيَمِه وتقاليدِه!
ومن ذلك ما صدرَ عن “لجنةِ البندقية” من اعتراضٍ على قرارِ الرئيسِ التونسي بعرضِ “مشروعِ الدستور الجديد” للاستفتاءِ العام يومَ 25/7 من هذا العام! فما لهذه اللجنةِ ولشأنٍ داخليٍّ تونسي حتى يصدرَ عنها هكذا انتقادٌ هو إن دلَّ فإنما يدلُّ على ما يتوهَّمُه الغربُ من حيازةِ سلطةٍ على أهلِ الشرقِ تستكثرُ عليهم أن يكونَ لهم رأيُهم الخاصُّ بهم؟! وهذا سؤالٌ لن نُفلحَ في التوصُّلِ إلى إجابةٍ صائبةٍ له إلا إذا ما تذكَّرنا ما يُمثِّلُه هذا الاستفتاءُ من خروجٍ على ما أعدَّته القارةُ العجوز لتونس الخضراء من سيناريو مستقبلٍ يمتثلُ لتصوُّرِ أوباما- هيلاري كلينتون عن مستقبلِ الوطن العربي؛ هذه الخطةُ التي تقومُ على أساسٍ من فرضِ حكوماتٍ تنتهجُ “نهجاً إخوانياً” تتوهمُ هذه الخطةُ أنَّه الأقدرُ على تمكينِ الغرب من “احتواءِ” أهلِ هذا الوطن! وإلا فكيفَ لنا أن نفسِّرَ مسارعةَ وزارةِ الخارجيةِ الأمريكية إلى إدانةِ قرارِ الرئيس التونسي بعزلِ 57 قاضياً من بعدِ ما تبيَّنَ، بالأدلةِ القاطعة، مدى الضررِ الفادحِ الذي ألحقوه بالوطن التونسي انتصاراً منهم للمشروعِ الإخواني الذي تمثِّلُه حركةُ النهضة المأجورة؟!!!