
لمَّا أن أدركَ سيدُنا زكريا ألاَّ أملَ هنالك في أن يكونَ له ابنٌ، بعد أن طالَ به وبزوجِه العُمُرُ وهي عاقرٌ، توجَّهَ إلى اللهِ تعالى بأن يمُنَّ عليه “من لدنه” بمَن يرِثُه في القيامِ بخدمةِ بيتِ المَقدس وزوَّارِه: (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا. وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا. يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ ِآلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) (4- 6 مريم). فما الذي جعلَ سيدَنا زكريا يسألُ اللهَ تعالى أن يكونَ هذا الذي سيمُنُّ عليه ليرِثُه به من بعدِه “رَضيا”؟
يُعينُ على الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ قولَ اللهِ تعالى ممتدحاً سيدَنا يحيى: (وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا) (من 14 مريم)، وقولَه تعالى في حقِّ سيدِنا عيسى (وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا) (من 32 مريم). فالقائمُ على خدمةِ بيتِ المقدسِ وزوَّارِه لا ينبغي له أن يكونَ “جباراً شقياً” فيُسيءَ إلى الناسِ بقولٍ أو فعل. والقائمُ على خدمةِ الناسِ لابد وأن يكونَ “رَضياً” فيرتضيَ كلَّ ما يصدرُ عنهم من قولٍ أو فعل، ومن دونِ أن يضطرَّه الانتصارُ لنفسِه إلى ما يُسيءُ إلى تراثِ سيدِنا زكريا وآلِ يعقوب الذين قاموا على خدمةِ بيتِ المقدسِ وزوَّارِه على مدى قرونٍ عدة.