
جعلَ اللهُ تعالى في زُبُرِ الأولين ما هو كفيلٌ بتقديمِ الدلائلَ والبراهين على صدقِ رسولِه الكريم صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم فيما جاء به من عنده. وهذا ما بوسعنا أن نتبيَّنه بتدبُّرِ الآياتِ الكريمةِ التالية: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَاب) (43 الرعد)، (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) (197 الشعراء)، (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) (من 157 الأعراف)، (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (199 آل عمران).
غيرَ أنَّ من أهلِ الكتاب، من مُعاصري رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم، مَن كانوا يعلمُون أنَّ ما جاءَ به سيدُنا محمد صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم هو الحقُّ المبين، وذلك بشهادةِ ما يجدونه مكتوباً عندهم من العلم الذي ما كان له صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم أن يعلمَه لولا أنَّه رسولُ اللهِ حقاً، إلا أنَّهم كانوا يكتمونَ ما يعلمون من الحق فلا يُبدونَه للناسِ حرصاً منهم على ألا يكونَ في ذلك ما يشهدُ له صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم بأنَّه قد جاءهم بالحقِّ من عندِ الله: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (146 البقرة)، (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) (20 الأنعام).
وهؤلاء هم الذين أشارَ إليهم اللهُ تعالى بقولِه “يَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ”، والواردِ في الآية الكريمة 37 من سورة النساء (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا. الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) (من 36- 37 النساء).
وهذا هو عينُ ما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِنا الآياتِ الكريمةِ التالية: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (159- 160 البقرة)، (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (174 البقرة).