
كثيرةٌ هي الكلماتُ القرآنيةُ الجليلة التي استلَّها الناسُ من قرآنِ اللهِ العظيم لتُثرِيَ خطابَهم، ولِتجرِيَ على ألسنتِهم، ولتُشتَقَّ منها كلماتٌ أخرى قريبةٌ منها في المبنى وغيرُ بعيدةٍ عنها في المعنى. ومن بين هذه الكلمات الكريمة الكلمةُ القرآنيةُ “بِدعاً”، والتي وردت في القرآن العظيم مرةً واحدةً وذلك في الآيةِ الكريمة 9 من سورة الأحقاف (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ).
فلقد اشتَقَّ الناسُ من كلمةِ “بِدعاً” هذه كلمةَ “بِدعة”، وذلك كما تقضي بذلك قوانينُ وسُنَنُ التطور اللغوي الذي لن نعدِمَ ما يدلُّ على عظيمِ تأثيرِه في لسانِنا العربي وفي ألسُنِ بَني آدم الأخرى. ولقد أصبحَ لهذه الكلمةِ المُشتقة (بِدعة) حضورٌ في “اللغةِ العربيةِ بعد الإسلام” أنسى الناسَ الكلمةَ الأصل وانشغلوا بالكلمةِ التي اشتقُّوها منها. كما وأصبحَ لهذه الكلمةِ المُشتقَّة معنى ابتعدَ كثيراً عن المعنى الذي كانت تنطوي عليه الكلمةُ الأصل. فالعبارةُ القرآنيةُ الجليلة “مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ” في الآية الكريمة 9 الأحقاف أعلاه، تعني أنَّ سيدَنا محمد صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم لم يكن نوعاً آخر من الرُّسُل يُقالُ له ما لم يقله اللهُ تعالى للرُّسُلِ من قبله (مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) (من 43 فصلت).
أنظر كيف أصبحَ لكلمة “بِدعة” معنى يختلفُ كثيراً عن معنى الكلمةِ الأصل “بِدعاً”. فلقد أصبحَ لهذه الكلمة معنى يقتربُ كثيراً من المعنى الذي تنطوي عليه كلُّ كلمةٍ موصولةٍ بالكُفرِ والفسوقِ والعصيان، وهذا أمرٌ إن دلَّ فإنما يدلُّ على الضرَرِ الكبير الذي اُلحِقَ بالمعنى الأصلي للكلمةِ القرآنية “بِدعاً”.