
ما الذي بوسعنا أن نخلُصَ إليه بتدبُّرنا ما جاءتنا به سورةُ يوسف في آيتَيها الكريمتن: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (من 24 يوسف) و(فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (34 يوسف)؟
يتبيَّنُ لنا بتدبُّرِ هاتين الآيتين الكريمتين أنَّ اللهَ تعالى صرفَ عن سيدِنا يوسف السوءَ والفحشاءَ، وذلك بأن حالَ دون أن يستجيبَ عليه السلام لإغواءِ امرأةِ العزيز إذ راودته عن نفسه؛ فكان أن أراهُ اللهُ تعالى “برهانَ العزيز”، فما كان من سيدِنا يوسف إلا أن فرَّ من امرأةِ العزيز صوبَ الباب حيث ألفى العزيزَ عند الباب.
وهنا لا يمكنُ لنا إلا أن نلاحظَ أنَّ اللهَ “تدخُّلَ تدخلاً مباشراً” في سير الأحداث دون أن يسبقَ هذا التدخُّلَ توجُّهُ سيدنا يوسف إليه بالدعاء، وذلك بالمقارنة مع “تدخُّلِ الله المباشر” في سيرِ الأحداثِ إثرَ دعاءِ سيدِنا يوسف له تعالى بأن يصرفَ عنه كيدَ امرأةِ العزيز وصاحباتها!
فلماذا كان هذا التمايزُ بين “تدخُّلِ الله المباشر” في هاتين الحالتين؟
يتكفَّلُ بالإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ ما كان عليه سيدُنا يوسف من حالٍ مع اللهِ تعالى استحقَّ بمقتضاه أن يتدخَّلَ اللهُ تعالى تدخلاً مباشراً في سيرِ الأحداثِ ليَحولَ دون أن يُقارفَ سيدُنا يوسف السوءَ والفحشاء، وذلك لأن حالَه هذا مع اللهِ تعالى هو ما أوجزَه القرآنُ العظيم بقولِه تعالى (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ).
فاللهُ تعالى يتدخَّلُ في حياةِ عبادِه الصالحين المخلَصين تدخلاً مباشراً حتى وإن لم يتوجَّهوا إليه بالدعاء تدخُّلَه في حياتهم إذا ما هم توجَّهوا إليه بالدعاء.