
يظنُّ كثيرٌ منا أنَّه يحقُّ له أن يُكاثِر الآخرين بما آتاهُ اللهُ من مالٍ وبنين، ويستشهد على ذلك بما جاءتنا به سورةُ الكهف في آيتها الكريمة 46 (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا). وهذه قراءةٌ “مجتزئةٌ” لهذه الآية الكريمة التي لن نُحيطَ بما تنطوي عليه من معنى إن نحنُ لم نقرأها كاملةً (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا). فاللهُ تعالى يُريدُنا أن نُدركَ أنَّ “الباقيات الصالحات” هي ما ينبغي أن يحرصَ الواحدُ منا على الاستزادةِ منه. ولذلك وصفَ اللهُ تعالى هذه الأعمال الصالحة بـ “الباقيات”، وذلك لأنها تبقى ذخراً لصاحبِها بعد زوالِ كلِّ شيء، إذ سيزولُ المالُ والبنون حتماً بزوالِ هذه الحياةِ الدنيا.
وفي هذا درسٌ لنا حتى لا ننشغلَ عن الآخرةِ بما هو زائلٌ انشغالاً يُنسينا حقيقةَ الأمر ويُلهينا عن الاستعداد ليومٍ لا ينفعُ فيه مالٌ ولا بنون (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ. إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (88- 89 الشعراء). كيف لا واللهُ تعالى وصفَ الآخرةَ بأنها خيرٌ من هذه الدنيا وأبقى؟ (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (16- 17 الأعلى).