
يظنُّ كثيرٌ من الملحدين أن ليس هناك ما يستدعي الالتجاء إلى قرآنِ اللهِ العظيم لحلِّ أيٍّ من مشاكلِنا المعرفية طالما كان بمقدورِ “العقل العلمي” أن يُقدِّمَ لنا كلَّ ما من شأنِه أن يُعينَ على حلِّ هذه المشاكل! وهذا افتراضٌ إن كان يتحلَّى بالجرأةِ والجسارة فإنَّه يفتقرُ إلى ما ينبغي أن يكونَ عليه هذا “العقل” من إحجامٍ عن كلِّ ما يجعلُ منه يفترضُ ما لا دليلَ له عليه، خصوصاً إذا ما كان إطلاقُ هكذا افتراضاتٍ لا ينطلقُ إلا من نزوعٍ مَقيتٍ إلى تحدِّي أي “منهجٍ معرفي” يأبى أن ينصاعَ لمنطقِه السقيم!
فهذا “العقلُ العلمي” يُدرِكُ تمامَ الإدراك أنَّ المنهج المعرفي للقرآنِ العظيم يستعصي على كلِّ ما انتهى إليه من “أحكامٍ” خُيِّلَ إليه معها أنَّه وحدَه مَن ينبغي أن يكونَ له القولُ الفصل في كلِّ ما هو ذو صلةٍ بالوجودِ وأحداثِهِ وظواهرِهِ! ولقد فاتَ هذا العقلَ أن لا صحةَ هناك على الإطلاق لهذا الذي يزعمُ به طالما استعصى عليه أن يُعلِّلَ لكثيرٍ من وقائعِ هذا الوجودِ وأحداثِه وظواهرِه، خصوصاً ما كان منها ذو صلةٍ بـ “الظاهرة الإنسانية” التي تأبى أن تُسلِمَ قيادَها إلى نظرياتِ هذا العقلِ وافتراضاتِه! فالعقلُ العلمي عاجزٌ، وحتى هذه اللحظة، عن أن يعلِّلَ لهذا الذي هو عليه الإنسانُ من تناشزٍ صارخٍ مع “الطبيعة” التي يزعم هذا العقلُ أنَّه “صنيعتُها” وأنَّها هي مَن قامَ بصياغتِه وتشكيلِه وفقاً لما تقومُ عليهِ من قوانينَ لا يملكُ الإنسانُ أن “يتمرَّد” عليها التمرُّدَ الذي يجعلُه يشذُّ عن “التصنيف العلمي” الذي يقولُ بأن لا فرق هناك بين الحيوانِ والإنسان، وذلك على قدرِ تعلُّقِ الأمر بكلِّ ما يجعلُ منهما ثمرتَين من ثمار شجرةِ هذه الطبيعة!
إنَّ كلَّ مَن “يتعالى” على قرآنِ اللهِ العظيم، غروراً فارغاً واستعلاءً أجوفاً، عليه أن يُدرِكَ أنَّ كيدَه في نحرِه طالما كان بوسعِ هذا القرآن أن يُعلِّلَ لكلِّ ما يعجزُ هذا العقل عن التعليل له. ليس هذا فحسب ولكنه قادرٌ أيضاً على أن يأتيَ الإنسانَ بالدواءِ الناجعِ، الذي إن تداوى به كان له أن يشفى من علَّتِه التي أعيَت وأعجزت “العقل العلمي” بجهابذتِه وأساطينِهِ!