اضطُرَّ سيدُنا موسى عليه السلام إلى أن يغادرَ مصر “خائفاً يترقَّب”، فما كان منه إلا أن توجَّه إلى اللهِ تعالى بدعائَيه اللذين حفظتهما لنا سورةُ القصص في آيتَيها الكريمتين: (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) (21- 22 القصص). ولم يكن سيدُنا موسى ليعلمَ أنَّه كان “قابَ قوسينِ أو أدنى” من أن ينجوَ من القومِ الظالمين. فما أن وطأت قدماه عليه السلام أرضَ مدينَ حتى شرعت الأحداثُ تتوالى في “تلاحقٍ قدَري” انتهى به إلى أن يكونَ جليسَ سيدِنا شعيب، الذي ما أن قصَّ سيدُنا موسى عليه القصصَ حتى بادره بقولِه “لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ”.
ولقد تعيَّنَ على سيدِنا موسى أن يمكثَ في مديَن سنواتٍ ثمانية، وذلك بمقتضى “الاتفاق المأجول” مع سيدنا شعيب عليه السلام. فلما قضى سيدُنا موسى الأجلَ دفعت به أقدارُ اللهِ تعالى إلى النار التي قُدِّرَ له عندها أن يُصبحَ “كليمَ الله” وتحقَّقَ له بذلك أن يهتدِيَ إلى “سواءِ السبيل” من بعدِ أن كشفَ اللهُ تعالى له النقابَ عن بعضِ ما ينتظرُهُ من أقدار، فتجلَّت له “السبيلُ” وتبيَّنت معالمُها أما وقد أدركَ أنَّه ما خرجَ من مصرَ “خائفاً يترقَّب” إلا ليعودَ إليها وهو “الأعلى” (قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى) (68 طه).
