يتعالى اللهُ على السمواتِ والأرض تعالياً يُبرهنُ عليه أنه تعالى قد استوى على العرش وذلك من بعدِ أن انتهى من خلقهما (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) (من 4 السجدة). وهذا التعالي الإلهي على الوجود، سمواتٍ وأرضاً، لا ينفي على الإطلاق أن يكونَ للهِ تعالى تواجدٌ لطيفٌ خفي فيهما (وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ) (من 3 الأنعام). فاللهُ تعالى مُحيطٌ بكلِّ شيء حتى وإن كان هذا الشيء بعِظَمِ الوجودِ برُمته (وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا) (من 126 النساء).
ولأنَّ اللهَ تعالى ليس كمثلِهِ شيء، فإنه لمن المستحيل أن يكونَ بمقدورِ عقلٍ أن يفقهَ كيفيةً لهذا الوجودِ الإلهي خارجَ السمواتِ والأرض ولهذا التواجدِ الإلهي فيهما في آن. ولأنَّ اللهَ مُتعالٍ على خَلقِه كلِّهم جميعاً، ولأن هذا الخَلق محدودٌ بحدودِ أقطارِ السمواتِ والأرض فلا قدرةَ لمخلوقٍ على أن ينفذَ منها إلا بسلطان، فإنَّه تعالى فوقَ خَلقِهِ أجمعين. وهذه “الفوقية” قد أشارَ إليها القرآنُ العظيم في سياقِ حديثِهِ عن الملائكةِ بأنهم يخافون ربهم من فوقهم (وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ. يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) (من 49- من 50 النحل). فإذا كان الملائكةُ هم أهلُ السموات، فإنَّ حقيقةَ كونِ اللهِ تعالى فوقَهم يلزم عنها وجوبُ أن يكونَ اللهُ فوقَ السموات. وفوقيةُ اللهِ تعالى على السموات حقيقةٌ من الحقائقِ التي جاءنا بها قرآنُ اللهِ العظيم، وذلك كما يتبيَّنُ لنا بتدبُّرِ الآية الكريمة (تكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ) (من 5 الشورى). فهذه الآيةُ الكريمة تُخبرُنا بأن السمواتِ توشكُ مادتها على أن تزولَ فتتلاشى هباءً منثوراً جراء كون اللهِ تعالى فوقهن.
