الرهبانية التي كتبها الله

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم
اللهُمَّ صَلِّ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدِ الوَصْفِ وَالْوَحْي وَاٌلرِّسالَةِ وَالْحِكْمَةِ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيماً

 monasteryيظن كثيرٌ من ملالي التفسير أن الرهبانية بدعةٌ ما أنزل الله بها من سلطان، وأن الذين أبدعوها قد جاؤوا بما لم يؤمروا بالقيام به، هكذا ومن عند أنفسهم دون أن يكون لها أصلٌ يستندُ إلى نصٍّ إلهي مُنزَل. وهذا تفسيرٌ ضال مُضل لا يمكن لعقلك، إن أنتَ سمحتَ له بأن يفكر قليلاً من تفكيرٍ سليم، أن يوافقهم فيما ذهبوا إليه لو أنك تدبَّرتَ الآية الكريمة الوحيدة التي ذُكرت فيها “الرهبانية” في قرآن الله العظيم، وهي 27 من سورة الحديد (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُون).

أمران لابد أنك واجدهما بإعمالك عقلك في هذه الآية الكريمة: الأول أن هذه الرهبانية يشيرُ إليها الله تعالى بأنهم لم يُبدعوها ولكنهم ابتدعوها. والابتداع لغةً هو أن تُحدث في الشيء جديداً فتُغيّره إلى شيء آخر. وهو ليس الإبداع، الذي هو الإتيان بشيء جديد. والفرق جليٌّ واضح. والأمر الثاني أن هذه الرهبانية التي تتحدث عنها هذه الآية الكريمة قد أنبأنا اللهُ تعالى بأنه هو الذي كتبها عليهم، أي أنه هو تعالى من أبدعها. إذاً، فإبداع الرهبانية إلهي، وابتداعها، أي إحداث ما لم يكن فيها وما لم يكتب الله، هو ما قام به من ابتدعها فغيّرها لتصبح غير الرهبانية التي أبدعها الله تعالى وكتبها عليهم.

لك من بعد هذا أن تعذرني إذا ما أنا أعرضتُ عن كثير مما يقول به ملالي التفسير الذين افتقدوا، من بين كثيرٍ مما افتقدوا، الذائقة اللغوية السليمة التي لو كانوا على شيء يسيرٍ منها لما أدخلونا في متاهاتٍ ليس باليسير الخروج منها.

القرآن العظيم لا يحتاج من يفترض لنفسه سلطةً عليه ليفسره وفق ما يشاء له هواه. فهذا الكتاب العظيم كتاب الإنسانية جمعاء، وهو بذلك مُتاحٌ تدبُّره لمن جاءه بعقلٍ سليم من آفات التفكير البشري. والدليل عندك إن أنتَ تدبَّرتَه بلا قيدٍ أو شرط.

أضف تعليق