في معنى الآيةِ الكريمة “ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ”

مَن هو المُخاطَبُ بقولِ اللهِ تعالى (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (4 الجمعة)؟ ومَن هو المقصود بهذا الفضلِ الإلهي؟
تقتضي الإجابةُ على هذين السؤالَين وجوبَ أن نتدبَّرَ قولَ اللهِ تعالى هذا في سياقِه القرآني: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ. وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (2- 4 الجمعة).
فاللهُ تعالى يُشيرُ بقولِه هذا (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) إلى رسولِه الكريم صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم فحسب، وذلك في سياقِ ردِّهِ على تلك الطائفةِ من أهلِ الكتاب الذين هالَهم أن يُنزَّلَ على “أحدٍ من الأُميين” كتابٌ من عندِ الله. فتلك الطائفةُ من أهلِ الكتاب كانت تستكثرُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم أن يُنزَّلَ عليه القرآنُ وهو ليس منهم.
ولقد فنَّدَ اللهُ تعالى مزاعمَ هؤلاء المعرِضين المناكفين في مواطنَ قرآنيةٍ عدة، وذلك كما يتبيَّنُ لنا باستذكارِ وتدبُّرِ بعضاً منها:
1- (قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (من 73- 74 آل عمران).
2- (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (29 الحديد).
3- (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (105 البقرة).
يتبيَّنُ لنا، وبتدبُّرِ ما تقدَّم، أنَّ المُخاطَبَ بقولِ اللهِ تعالى (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) هو تلك الطائفة من أهلِ الكتاب، وأنَّ المقصودَ بهذا الفضلِ الإلهي هو رسولُ الله صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم. فاللهُ تعالى قد دحضَ ما افترته تلك الطائفةُ من أهلِ الكتابِ بزعمِهم أنَّ اللهَ ما كان ليُنزِلَ كتاباً من عندِه على أحدٍ ليس منهم. فلقد بيَّنَ اللهُ تعالى فيما تقدَّمَ ذِكرُه من آياتٍ كريمة، وفي آياتٍ كريمةٍ أُخَر، أنَّ الفضلَ بيدِه وأنَّه هو من يختصُّ من عبادِه من يشاء بما يشاء، وأن ليس لأحدٍ أن “يفترضَ” شرائطَ ومحدداتٍ على فضلِ اللهِ ورحمتِه.

One comment

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s