
نقرأُ في سورةِ مريم: (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا. فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا. وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا. فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا) (23- من 26 مريم).
يَعِنُّ للمرءِ، وهو يشرعُ بتدبُّرِ هذه الآياتِ الكريمة، أن يسألَ السؤالَ التالي: “لماذا ألجأَ اللهُ تعالى السيدةَ مريم إلى النخلة؟”. وقد يظنُّ البعضُ أن الإجابةَ على هذا السؤالِ بديهيةٌ وألا حاجةَ هناك من ورائه! فقد يجيب هذا البعض بأنَّ اللهَ تعالى قد ألجأَ السيدةَ مريم إلى النخلةِ لكي تأكلَ من رُطَبِها! ولكن هل هذا هو كلُّ ما في الأمرِ حقاً، أَم أنَّ هنالك شيئاً آخرَ هو العلةُ من وراءِ هذا “الظهورِ القَدري” للنخلةِ في قصةِ السيدةِ مريم؟
يتكفَّلُ بالإجابةِ على هذين السؤالين أن نستذكرَ الحقيقةَ التي مفادُها أنَّ نخلةَ السيدةِ مريم قد طرحت رُطبَها في غيرِ أوانِه. فالثابتُ أنَّ النخلةَ تؤتي أكُلَها في عِزِّ الصيف، والسيدةُ مريم قد وضعت وليدَها في عِزِّ الشتاء! وفي هذا ما فيه من تبيانٍ لقدرةِ اللهِ تعالى على قهرِ “المستحيل العلمي” المتمثِّلِ بكونِ النخلةِ قد طرحت رُطَبها في عِزِّ الشتاء!
وفي قهرِ اللهِ تعالى لهذا “المستحيلِ العلمي” شهادةٌ ببراءةِ السيدةِ مريم من أيِّ تهمةٍ من قبيلِ ما سارعَ قومُها إلى كيله إليها: (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا. يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) (27- 28 مريم). فاللهُ تعالى أشهدَ النخلةَ ببراءةِ السيدةِ مريم من هذه التهمةِ بهذا الإثمارِ المعجزِ منها. فكما أنَّ النخلةَ قد آتَت أُكُلَها في غيرِ أوانِه، فكذلك كان للسيدةِ مريم أن تحملَ من دون أن يمسَسها رجل!