نقرأُ في سورةِ غافر، وفي الآيات الكريمة 79- 81 منها، قولَ اللهِ تعالى: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ. وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ. وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ).
تتحدَّثُ هذه الآياتُ الكريمة عن بعضٍ مما أنعمَهُ اللهُ تعالى على بَني آدم. وهذا الإنعامُ الإلهي قد “سبَّبَ له اللهُ تعالى بِسلسلةٍ من الأسبابِ” كفَّلها تيسيرَ أمرِهم، وجعلَها تُزيحُ عن كاهلِهم مشقةً وعناءً ما كان لهم أن يتخففوا منهما لولاها: (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ. وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ. وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) (5- 7 النحل).
ولقد جعلَ اللهُ تعالى أفضالَه هذه على بَني آدمَ “آياتٍ” لهم تكفي مَن كان ذا عقلٍ سليمٍ منهم أن يستيقنَ من أنَّ اللهَ هو مَن يقفُ من ورائها. وإذا كانت هذه “الآياتُ” قد “سبَّبَ لها اللهُ تعالى بأسبابٍ” ما كان لها أن تفعلَ فِعلَها لولا تلك القوانينُ التي سبقَ وأن بثَّها في الوجود، فإنَّ للهِ تعالى “آياتٍ أخرى” لم يسبب لها بأي أسبابٍ، ولم يجعلها تخضعُ لأي قوانين، أما وأنَّها تجلياتٌ لقولِه للشيءِ إذا أرادَه: “كن” فيكون. لنتدبَّر الآيتَين الكريمتَين 72- 73 البقرة: (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ. فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ). فإحياءُ اللهِ تعالى لقتيلِ قومِ سيدِنا موسى آيةٌ من آياتِ اللهِ التي هي في حقيقتِها تجلٍّ من تجلياتِ “كن فيكون” إذ لا توجدُ هنالك على الإطلاق أيُّ أسبابٍ أو قوانين، من تلك التي يُسيِّرُ اللهُ تعالى بها وقائعَ الوجودِ وأحداثَه، قد أذِنَ اللهُ تعالى لها بأن تُحيِيَ الموتى.