
نقرأُ في سورةِ المائدة وفي الآية الكريمة 112 منها: (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
يضطرُّنا تدبُّرُ هذه الآيةِ الكريمة إلى الخروجِ بنتيجةٍ مفادُها أنَّ الحواريين ما سألوا السيدَ المسيح “إن كان بمستطاعِ اللهِ تعالى أن يُنزِّلَ عليهم مائدةً من السماء” لولا أنَّهم استعظموا الأمرَ ظناً منهم بأنَّه قد لا يكونُ مما يقدرُ عليه الله. وفي هذا ما فيه من تبيانٍ لِما كانوا عليه من حالٍ مع اللهِ تعالى جعلهم يسألون هذا السؤالَ الذي ما كان ينبغي أن يصدرَ عنهم وهم الذين كانوا يرافقون السيدَ المسيح في حِلِّه وترحالِه ومكثِه وتجوالِه داعياً إلى اللهِ الذي أظهرَ على يدَيه من عجيبِ الأمورِ وغريبِها ما كان ينبغي أن يجعلَهم لا يستعظمون أن يكونَ بمقدورِ اللهِ تعالى أن يُنزِّلَ عليهم مائدةً من السماء. فاللهُ تعالى قد جعلَ السيدَ المسيحَ مبارَكاً أينما كان وأيَّده بروحِه الأمين (سيدِنا جبريل). فهل يُعقَلُ أن يصدرَ هكذا سؤال عمَّن شهِدَ بأُمِّ عينَيه السيدَ المسيحَ وهو يحيي الموتى بإذن الله وينفخُ في تمثالِ الطيرٍ فيصبحُ طائراً بإذن الله؟!
ولعلَّ هذا أن يكونَ هو السببَ الذي جعلَ بعضَ المفسِّرين يتجشَّمونَ عناءَ “التوفيق” بين ما وقرَ لديهم من ظنٍّ بأنَّ الحواريين كانوا على شيء، وبين هذا السؤالِ الذي لا ينبغي أن يصدرَ عمَّن دخلَ الإيمانُ في قلبِه. ولعلَّ هذا أن يكونَ هو الدافعَ من وراءِ ما بوسعِنا أن نتبيَّنَه مما ذهب إليه بعضُ المفسِّرين سعياً منهم وراءَ هذا التوفيق:
1- السعدي: ” وهذا ليس منهم عن شك في قدرة الله، واستطاعته على ذلك. وإنما ذلك من باب العرض والأدب منهم.”
2- قرأ ذلك جماعة من الصحابة والتابعين: هَلْ تَسْتَطِيعُ) بالتاء( رَبَّكَ) بالنصب)، بمعنى: هل تستطيع أن تسأل ربَّك؟ أو: هل تستطيع أن تدعوَ ربَّك؟ أو: هل تستطيع وترى أن تدعوه؟ وقالوا: لم يكن الحواريون شاكِّين أن الله تعالى ذكره قادرٌ أن ينـزل عليهم ذلك، وإنما قالوا لعيسى: هل تستطيع أنت ذلك؟
3- حدَّثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ” هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَـزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ” ، قالوا: هل يطيعُك ربُّك، إن سألته؟