
نقرأُ في سورةِ المائدة، وفي الآيةِ الكريمة 112 منها: (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ). والمائدةُ التي تذكرُها هذه الآيةُ الكريمة هي “الأصلُ” الذي انبثق عنه ما اصطُلِحَ على تسميتِه بـ “العشاء الأخير”، والذي كان، وكما يقولُ كتابُ “العهد الجديد”، آخرَ عشاءٍ تناولَه السيدُ المسيح مع الحواريين، وذلك قبلَ أن يرفعَه اللهُ تعالى إليه.
وإذا كان كتابُ “العهد الجديد” قد تحدَّثَ عن هذا “العشاءِ الأخير”، وبالكيفيةِ التي لا يتبيَّنُ معها أنَّ ما اشتملَ عليه من طعامٍ وشراب وأدواتِ مائدة له أصلٌ “غيرُ أرضي”، فإنَّ القرآنَ العظيم، وبالمقابل، قد قام بتعيينِ هذا الأصلِ فجعلَه موصولاً بـ “الجنةِ” التي طالما كان سيدُنا المسيح يحدِّثُ الحواريين عنها وعما فيها، وهي ذاتُ الجنة التي كانت الملائكةُ تأتي السيدةَ مريم برزقٍ منها: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (من 37 آل عِمران).
فالحواريون، وكما بيَّنَ لنا القرآنُ العظيم، هم الذين سألوا السيدَ المسيح إن كان اللهُ تعالى بمستطاعِه أن يُنزِّلَ عليهم مائدةً من السماء (أي من تلك الجنة). ولقد كان للحواريين ما أرادوا من بعدِ أن دعا السيدُ المسيح ربَّه اللهَ تعالى: (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ. قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ) (114- 115 المائدة).