
نقرأُ في سورةِ الأنبياء، وفي الآيتَين الكريمتَين 78- 79 منها، قولَ اللهِ تعالى: (وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ. فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا)، فما هو معنى “وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا” في قولِ اللهِ تعالى هذا؟
يُعين على الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ الحقيقةَ القرآنيةَ التي مفادُها أنَّ اللهَ تعالى يختصُّ برحمتِه مَن يشاء، وأنَّه يُعلِّمُ مَن يشاءُ من عبادِه ما يشاء. فاللهُ تعالى آتى سيدَنا يعقوبَ من العلمِ ما لم يؤتِه لابنِه سيدِنا يوسف الذي آتاه اللهُ تعالى هو الآخر عِلماً اختصَّه به فلم يؤتِه أباه سيدَنا يعقوب:
1- (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ. وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون) (67- 68 يوسف).
2- (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) (76 يوسف).
وهذا الذي كان من أمرِ سيدِنا يعقوب وابنِه سيدِنا يوسف هو عينُ ما كان من أمرِ سيدِنا داود وابنِه سيدِنا سليمان. فلقد آتى اللهُ تعالى سيدَنا داود حكمةً اختصَّه بها: (وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ) (من 20 ص)، كما وآتى سيدَنا سليمان علماً اختصَّه به: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) (16 النمل). وبمقتضى هذا التفاضلِ في العلمِ، فلقد مكَّنَ اللهُ تعالى سيدَنا سليمان من الحكمِ الصائبِ فيما اختلفَ بشأنِه أصحابُ الحرثِ وأصحابُ الغنمِ في الآيةِ الكريمة 78 من سورةِ الأنبياء أعلاه. فاللهُ تعالى قد يسَّرَ لسيدِنا سليمان من العلمِ ما لم يُمكِّن منه سيدَنا داود.