
تُخفِقُ كلُّ محاولةٍ للتعليلِ لهذا الذي يرفلُ فيه أهلُ الغربِ من عَيشٍ رغيدٍ وحياةٍ وادعةٍ هانئة إن هي لم تأخذ بنظرِ الاعتبار التاريخَ الدموي الذي سطرَ أجدادُ أهلِ الغرب المعاصرين صفحاتِه حروباً طاحنةً ومعاركَ ضاريةً سالت فيها الدماءُ أنهاراً واستحالت المدنُ فيها ركاماً وغباراً. فهل تغيَّرَ أهلُ الغربِ بين ليلةٍ وضُحاها فأضحى أعداءُ الأمسِ إخوةَ اليوم؟ وهل يعكسُ هذا التغيّرُ “قفزةً تطورية” ارتقى بمقتضاها أهلُ الغربِ من التوحُّش والهمجية إلى التحضُّر والمدَنية؟ أم أنَّ الأمرَ لا علاقةَ له بهذه المقاربةِ الموغلةِ في التفاؤلِ والجانحةِ بعيداً عن حقيقةِ الإنسانِ، غربياً كان أم شرقياً، معاصراً كان أم قَروَسطياً؟
فحقيقةُ الإنسانِ، كما يكشفُ لنا النقابَ عنها ماضيه الذي يأبى أن يفارقَه إلا بحملِ نفسِه على ما تكرَه واضطرارِها إلى ما لا قدرةَ لها على الاصطبارِ عليه إلا بالتديُّنِ الحَق بديِن اللهِ الحق، هي أنَّه لن يقاتلَ أخاهُ الإنسانَ ما لم تدفعه إلى ذلك تلك الفتنةُ التي أخبرنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم بأنَّ اللهَ تعالى قد “لعنَ مَن أيقظَها”. فعِلةُ ازدهارِ الغربِ إذاً هي هذا الوهمُ الذي خُيِّلَ لأهلِه بمقتضاه أنَّ هنالك “مصلحةً واحدة” و”غايةً واحدة” تجمعُهم وتوحِّدُ بينهم. وهذا الوهمُ سرعان ما سيتلاشى ويتبدَّد إذا ما أفلح أحدُهم في إيقادِ نارِ الحرب التي إن نشبت فلن يكونَ بمقدورِ أحدٍ أن يطفأها إلا اللهُ تعالى: (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ) (من 64 المائدة).