نقرأُ في سورةِ إبراهيم، وفي الآيةِ الكريمة 8 منها، قولَ اللهِ تعالى: (وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ). فما هو معنى “وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا” في هذه الآيةِ الكريمة؟
بدايةً، لابد من التذكيرِ بأنَّ قولَ اللهِ تعالى هذا قد وردَ في موطنَين قرآنيينِ آخرين، هما:
1- (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ. وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ. وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ. وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ) (11- 14 المعارج).
2- (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (17 المائدة).
يُبيِّنُ لنا تدبُّرُ قولَ اللهِ تعالى “وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا” في هذه المَواطِنِ القرآنية الثلاث أنَّ اللهَ تعالى يتحدَّثُ عن “الأرضِ وأهلِها” تحدُّثَاً يُفنِّدُ زعمَ أولئك الذين يقولون بأنَّ “هذا القرآنَ لا يمكنُ أن يكونَ من عند الله”. فاللهُ تعالى يتحدَّثُ في هذه الآياتِ الكريمة عن “الأرضِ وأهلِها” من “خارجِ الأرضِ” تحدُّثَ مَن لا يمكنُ أن يكونَ مِن أهلِها. وكيف للهِ تعالى أن يكونَ من “أهلِها” وهو الذي يُحيطُ بكلِّ شيءٍ ولا قدرةَ لشيءٍ على أن يُحيطَ به ويحتويَه وإن كان بقدرِ السمواتِ عِظَماً واتِّساعاً؟! فاللهُ تعالى يتحدَّثُ في قرآنِه العظيم عن السمواتِ والأرضِ تحدُّثَ مَن هو “موجود خارجَهما”. وهذه حقيقةٌ ما كان لبشرٍ أن يُحيطَ بها، وذلك بشهادةٍ مما بين أيدينا من علمٍ بالكيفيةِ التي يتصوَّرُ بها الناسُ اللهَ تعالى مهما تباينوا واختلفوا وتمايزوا فيما بينهم ديناً ومذهباً ومعتقداً. فاللهُ تعالى لا تحتويه أرضٌ ولا سماء حتى يتواجدَ فيهما، أو في أيٍّ منهما، دون أن يكونَ له وجودٌ خارجهما! فالقرآنُ العظيم كشفَ لنا النقابَ عن حقيقةٍ مفادُها أنَّ اللهَ تعالى متواجدٌ في الأرضِ تواجدَه في السماء كما أنَّ له وجوداً خارجَهما.