
نقرأُ في سورةِ الحِجر، وفي الآية الكريمة 26 منها، قولَ اللهِ تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ).
يُبيِّنُ لنا تدبُّرُ هذه الآيةِ الكريمة ما كان عليه الإنسانُ مبتدأَ خَلقِه. فالإنسانُ لم يخلقهُ اللهُ تعالى خَلقاً لَحَظياً بلمحِ البصر، وإلا لَما قالَ اللهُ تعالى في قرآنِه العظيم: (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ) (من 7 السجدة). وهذا الطينُ قد بيَّنَ لنا اللهُ تعالى أنَّه كان “حَمَأً مسنوناً”، أي مُنتِناً ذا رائحةٍ كتلك التي تصدرُ عن البقعةِ من الأرضِ التي سكنَ ماؤها فأصبح آسناً. وهذا الذي كشفَ لنا اللهُ تعالى النقابَ عنه بشأنِ مبتدأِ رحلةِ تخلُّقِ الإنسان لَيُذكِّرُ بما انتهت إليه تلك الرحلةُ الطويلة، وذلك من بعدِ مُضي أحقابٍ من الزمانِ لا يعلمُها إلا اللهُ تعالى، من مستقَرٍ لها قُيِّضَ للإنسانِ بمقتضاه أن يتخلَّقَ نسلُه بإذنِ اللهِ تعالى من “ماءٍ مَهين”: (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ) (من 7- 8 السجدة).
وهذا “الماءُ المَهين” هو ما بوسعِنا أن نتبيَّنَ ماهيتَه بتدبُّرِ الآياتِ الكريمةِ التالية:
1- (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ. أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ) (58- 59 الواقعة).
2- (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى. مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى) (45- 46 النجم).
3- (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى. أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى) (36- 37 القيامة).
فعجباً لهذا الإنسانِ كيف ينسى ما كان عليه من “حمأٍ مسنون” مبتدأَ رحلةِ تخلُّقِه وما انتهى إليه أمرُه بمنتهاها إذ أصبح يتخلَّقُ بإذنِ اللهِ تعالى من “ماءٍ مَهين”!