
لا يملكُ الناظرُ إلى الطبيعةِ غيرَ أن يعجبَ لِما تراهُ عيناهُ فيها من آثارِ “حنانِ اللهِ” وهي تتجلَّى أنَّى جالَ ببصرِه في أرجائها. فمَن الذي جعلَ الأمَّ في عالَمِ الحيوانِ ترعى صغارَها وهي على أهبةِ الاستعدادِ لأن تدافعَ عنهم حتى وإن اقتضى منها الأمرُ التضحيةَ بنفسِها؟ فما نراهُ في عالَمِ الطبيعةِ من مظاهرِ هذه “الرعايةِ والحماية” قد سبَّبَ اللهُ تعالى له من الأسبابِ ما حتَّمَ وجوبَ تجلِّيه إذ سلَّطَه على غيرِها من الأسبابِ التي سبَّبَ لها لتكفلَ للأمِّ أن تحافظَ على بقائها. وهذا الذي نراهُ في عالمِ الطبيعةِ من حنانِ الإمِّ على صغارِها، والذي هو عينُ ما نراهُ في عالَمِ الإنسان من حنانٍ للأمِّ على أطفالِها، ما كان له أن يكونَ لولا هذا التسبيبُ الإلهي. فهو إذاً “حنانٌ سبَبي” قد سبَّبَ له اللهُ تعالى من الأسبابِ ما يكفلُ له الغَلَبةَ والسيادة.
قارن ذلك بما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ قولِ اللهِ تعالى: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا. وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا) (12- 13 مريم). فاللهُ تعالى آتى سيدَنا يحيى حناناً من لدنه أسبغَه عليه دونَما تسبيب، فهو “حنانٌ لدُني” موهوبٌ لسيدِنا يحيى من لدُن اللهِ تعالى.