
نقرأُ في سورةِ السجدة، وفي الآيةِ الكريمة 11 منها، قولَ اللهِ تعالى: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ). فلماذا سمَّى اللهُ تعالى “مَلَكَ الموت” في قرآنِه العظيم بهذه التسمية؟
يتوهَّمُ كثيرٌ منا أنَّ اللهَ تعالى أطلقَ على “ملَكِ الموت” هذه التسميةَ لأنه هو مَن يتسبَّبُ في موتِ الإنسانِ. وهذا الزعمُ لا يتَّفقُ مع ما بيَّنَه لنا اللهُ تعالى في قرآنِه العظيم من حقائقَ ذاتِ صلةٍ بما يحدثُ للإنسانِ ما أن يفارقَ الحياة. فالإنسانُ لا يؤولُ به الأمرُ بعد أن يموتَ إلى ما ظنَّهُ وتوهَّمَه أولئك الذين أشارَ إليهم اللهُ تعالى بقولِه:
1- (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (24 الجاثية).
2- (وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا) (49 الإسراء).
فالإنسانُ ليس ما يظنُّهُ أولئك الذين لا يرونَ منه إلا ما هو ظاهرٌ للعِيان فحسب! فللإنسانِ “كيانٌ آخر” يبقى بعد الموت، وهذا الكيانُ هو ما اصطُلِحَ على تسميتِه بـ “الروح”: (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ. قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ) (3- 4 ق). وهذا “الكتابُ الحفيظ” هو الكتابُ الذي ذكرَه اللهُ تعالى في الآيتَين الكريمتين 55- 56 من سورةِ الروم: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ. وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
فملَكُ الموتِ إذاً هو مَن أوكلَ اللهُ تعالى إليه أمرَ “توفِّي الأنفس” حينَ موتِها، وذلك بأن يقومَ باصطحابِها لتُحفَظَ في هذا “الكتاب” إلى يوم البعث. ولذلك فليسَ لـ “ملَكِ الموت” أيُّ صلةٍ بالتسبُّبِ في موتِ الإنسانِ الذي يموتُ إذ يقضي اللهُ تعالى عليه الموت: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) (14 سبأ).