
نقرأُ في سورةِ السجدة، وفي الآيةِ الكريمة 5 منها، قولَ اللهِ تعالى: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّون). فمَن هو المقصودُ بقولِ اللهِ تعالى ” يَعْرُجُ إِلَيْهِ” في هذه الآيةِ الكريمة؟
يُعينُ على الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ ونتدبَّرَ قولَ اللهِ تعالى: (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (4 المعارج). فـ “الروحُ” في هذه الآيةِ الكريمة هو “روحُ اللهِ الأمين سيدُنا جبريل روحُ القدُس”. وسيدُنا جبريل هو الذي كان ينزلُ بالقرآنِ العظيم من اللهِ تعالى على قلبِ سيدِنا محمد صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (192- 195 الشعراء).
فسيدُنا جبريل إذاً كان ينزِلُ بالقرآنِ العظيم من عندِ اللهِ تعالى إلى سيدِنا محمد صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم في رحلةٍ تمتدُّ من السماءِ إلى الأرض ثم يعرجُ إلى اللهِ تعالى بعدَها تارةً أخرى. فسيدُنا جبريل كان يتلقَّى “الأمرَ” (أي ما قضى اللهُ تعالى أن يُنزَّلَ من آيِّ القرآنِ العظيم لهذا السببِ أو ذاك من أسبابِ النزول) القادمَ من عالَمِ العرش وهو عندَ أقربِ مكانٍ إلى اللهِ تعالى في جنةِ السماءِ السابعة؛ هذا المكانُ الذي ما كان لأحدٍ غيرَه من الملائكةِ أن يقربَه. وما أن ينتهيَ سيدُنا جبريل من تبليغِ ما حمَّلَهُ اللهُ تعالى إياه من آيِ ذِكرِه الحكيم، حتى يعودَ بعدها في رحلةِ معراجٍ إلى اللهِ في تلك الجنةِ التي جعلَها اللهُ مأوى للملائكةِ المقرَّبين الذين اختصَّهم بأن يكونوا أقربَ ملائكتِه إلى عرشِه، وهُم الملائكةُ الذين ذكرَهم اللهُ تعالى في قرآنِه العظيم في المواطنِ التي حدَّدت مكانَ تواجدِهم بأنه “عند الله”:
1- (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ) (206 الأعراف).
2- (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ) (38 فُصِّلت).
3- (وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ) (19 الأنبياء).