
نقرأُ في سورةِ مريم قولَ اللهِ تعالى: (فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا. فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا. فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا. وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا. فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا) (22- من 26 مريم).
يضطرُّنا تدبُّرُ ما تقدَّمَ من آياتٍ كريمة إلى التساؤلِ “هل كانت نخلةُ السيدةِ مريم كغيرِها من نَخلِ الأرض؟”.
يُعينُ على تبيُّنِ الإجابةِ على هذا السؤال أن نُجيبَ على سؤالٍ آخر مفادُه “هل كانت عصا سيدِنا موسى كغيرِها من العِصِي؟”. لنتدبَّر الآياتِ الكريمةَ التالية: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى. قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى. قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى. فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى. قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى) (17- 21 طه).
فعصا سيدِنا موسى كانت كغيرِها من العِصي، وذلك قبل أن يأمرَها اللهُ تعالى بأن تستحيلَ “حيةً تسعى”. وكذلك كانت نخلةُ السيدةِ مريم كغيرِها من نخلِ فلسطين في ذلك الشتاءِ القارص الذي شهدَ مولدَ سيدِنا المسيح عليه السلام، وذلك قبل أن يأمرَها اللهُ تعالى بأن تُساقِطَ تمراً ناضجاً.
فإثمارُ النخلةِ التي ألجأَ اللهُ تعالى إليها السيدةَ مريم رُطَباً جَنياً، في غيرِ أوانِها، آيةٌ من آياتِ اللهِ تعالى كما كانت استحالةُ عصا سيدِنا موسى حيةً تسعى آيةً من آياتِ اللهِ الكبرى.