
نقرأُ في الآيةِ الكريمة 17 من سورةِ هود: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ)، وفي الآيتَين الكريمتَين 11- 12 من سورةِ الأحقاف: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ. وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِين)، قولَ اللهِ تعالى “وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً”. فما هو معنى قولِ اللهِ تعالى هذا؟
يُعينُ على تبيُّنِ الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ قولَ اللهِ تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) (12 يس). فكلمةُ “إمام” في هذه الآيةِ الكريمة تشيرُ إلى الكتابِ الذي تُدوَّنُ فيه أعمالُ بَني آدم في حياتِهم الدنيا: (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (28- 29 الجاثية).
واللهُ تعالى جعلَ التوراةَ التي أنزلَها على سيدِنا موسى للناسِ إماماً ورحمة. فكلمةُ “إماماً” هنا هي تشديدٌ من اللهِ تعالى على حقيقةِ كونِ التوراة كتابَه الذي أنزلَه على سيدِنا موسى ليهتدِيَ به من بَني إسرائيل كلُّ مَن شاءَ أن يتَّخذَ إلى ربِّه سبيلا. ولذلك فلم يكن هنالك أيُّ عُذرٍ لِمن اهتدى بالتوراةِ إلى اللهِ تعالى ولم يؤمن بالقرآنِ الذي أنزلَه اللهُ تعالى على رسولِه الكريم صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم مصدِّقاً لما بين يدَيه من التوراة.