
الإنسانُ كيانٌ فائقُ التعقيد. ويخطئُ العلمُ إذ يتوهَّمُ أنَّ بمقدورِ نظرياتِه أن تُعلِّلَ للإنسانِ نشوءاً وارتقاءً، وأن تحيطَ بالتالي بأصلِ “المشكلةِ الإنسانية” التي ترافقُ الإنسانَ منذ طفولتِه وحتى شيخوختِه! فالعلمُ ما قدرَ الإنسانَ حقَّ قدرِه إذ اكتفى بالتعليلِ لظهورِه ونشأتِه بما بين يدَيه من معرفةٍ خُيِّلَ إليهِ معها أنَّه يحقُّ له أن يجزمَ بأنَّ الإنسانَ قد نشأَ وتطوَّرَ عن أصلٍ حيواني وكفى! فالعلمُ يقاربُ “الظاهرةَ الإنسانية” من زاويةٍ تنظرُ إلى الإنسانِ باعتبارِه “حيواناً ليس إلا”! فمادام الإنسانُ، كما يظنُّ العلمُ ويتوهَّم، ذا أصلٍ حيواني فحسب، فإنَّ “التعليلَ الحيواني” للإنسان كفيلٌ بتبيانِ كلِّ ما ينبغي لنا أن نعرفَه بشأنِ حاضرِه وما ينطوي عليه من خبايا وخفايا!
ولو كان العلمُ محقاً في مقاربتِه هذه للإنسانِ، لكان بمقدورِه أن يُريحَه مما يُعانيه من “أمراضٍ نفسية” لا ينفعُ معها تعاملٌ لا يراها إلا من منظورِ الأصل الحيواني للإنسان! فالعلمُ لا يريدُ أن يُقرَّ إذاً بأنَّ عجزَه هذا يوجبُ عليه أن يراجعَ قناعاتِه ويتفحَّصَ الأسسَ التي شيَّدَ عليها بُنيانَه النظري الذي يُصِرُّ على النظرِ إلى الإنسانِ على أنَّه حيوانٌ لا فرقَ بينه وبين غيرِه من صنوفِ الحيوانِ الأخرى إلا بما يتمايزُ به عقلُه عن عقولِها، وذلك على قدرِ تعلُّقِ الأمرِ بالتعقيدِ الفائق والقدرةِ الفذة على التكيُّفِ الآني مع التحدياتِ الخارجية!
فهل يضطرُ هذا العجزُ المعرفي عن التعاملِ الصائبِ مع “المشكلةِ الإنسانية” العلمَ إلى الالتجاءِ إلى دينِ اللهِ تعالى الذي يكفلُ لكلِّ مَن يتدبَّرُ ما جاء به من حقائقَ تخصُّ الإنسان ما يُمكِّنُه من أن يتبيَّنَ أنَّ العلةَ من وراءِ هذه المشكلةِ هي “النفسُ” التي ابتلى اللهُ تعالى الإنسانَ بها، والتي إن نحن أقررنا بتواجدِها معنا نفَساً بِنَفَس، كان لنا أن نتبيَّنَ السبيلَ الأمثلَ للتعاملِ الصائبِ معها وبما يوجبُ علينا أن نستعينَ بدينِ اللهِ تعالى على معرفةِ ما يمكِّنُنا من التحرُّرِ من سطوتِها علينا، فيكونَ لنا بالتالي أن ننعتقَ من أسرِها ومن كلِّ ما تضطرُّنا إلى المعاناةِ منه جراءَ تواجدِها معنا.