
نقرأُ في سورةِ الأحقاف، وفي الآيةِ الكريمة 29 منها: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ). فما الذي ينبغي علينا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ قولِ اللهِ تعالى “فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ” الواردِ في هذه الآيةِ الكريمة؟
يُعينُ على تبيُّنِ الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ ونتدبَّرَ الآياتِ الكريمةَ التالية:
1- (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (9 الأحقاف).
2- (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) (من 24 فاطر).
3- (إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) (23 فاطر).
4- (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُون) (3 السجدة).
5- (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (2 الأعراف).
يتبيَّنُ لنا، وبتدبُّرِ هذه الآياتِ الكريمة، أنَّ الجِنَّ الذين صرفَهم اللهُ تعالى إلى رسولِه الكريم صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم ليستمعوا القرآن، لم يكن بالعسيرِ عليهم أن يتبيَّنوا جوهرَ الرسالةِ التي يشتملُ عليها هذا القرآن، والتي مفادُها أنَّ اللهَ تعالى جامعُ الجِنِّ والإنسِ ليومِ القيامةِ لا ريبَ فيه، وأنَّه محاسبُهم على ما جنته أيديهم في حياتِهم الدنيا، وأنَّ مصيرَ الواحدِ منهم هو إما خلودٌ في نارِ جهنم وإما خلودٌ في النعيم. ولذلك فلم يكن بالمستغربِ أن ينطلقَ ذلك النفر من الجِنِ إلى قومِهم يُنذِرونَهم ويحذرونهم من سوءِ العاقبةِ والمنقلب يومَ القيامة القادمِ لا محالة: “فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ”.