
نقرأُ في سورةِ التين، وفي الآياتِ الكريمةِ 4- 6 منها، قولَ اللهِ تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ. ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ). فما هو معنى كلمةِ “رددناه” في قولِ اللهِ تعالى هذا؟
يُعينُ على تبيُّنِ هذا المعنى أن نستذكرَ الورودَ الآخر لكلمةِ “رددناه” في القرآنِ العظيم، وذلك في الآيةِ الكريمة 13 من سورةِ القصَص: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ). فهذه الآيةُ الكريمة تتحدثُ عن سيدِنا موسى الذي “ردَّهُ” اللهُ تعالى إلى أُمِّه التي كانت قد ألقت به في اليَم استجابةً منها لأمرِ اللهِ تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (7 القصَص). فاللهُ تعالى أنجزَ وعدَه لأمِّ موسى فـ “أعادَ” إليها رضيعَها و”أرجعَه” إلى حضنِها.
يتبيَّنُ لنا إذاً، وبتدبُّرِ ما تقدَّم، أنَّ معنى كلمةِ “رددناه” في الآيةِ الكريمة 5 من سورةِ التين أعلاه هو “أعدناه” و”أرجعناه”. ويوجِبُ علينا ذلك أن ننتهيَ إلى نتيجةٍ مفادُها أنَّ اللهَ تعالى قد “أعادَ” الإنسانَ و”أرجعَه” إلى ما كانَ عليه قبل أن ينفخَ فيه من روحِه فيُصيِّرَه بذلك إنساناً في أحسنِ تقويم. واستثنى اللهُ تعالى من ذلك الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
وهذا الذي كان عليه الإنسانُ، قبل أن ينفخَ اللهُ تعالى فيه من روحِه ليصبحَ إنساناً في أحسنِ تقويم، هو ما بوسعِنا أن نتبيَّنَه في الآيةِ الكريمة (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ) (من 30 البقرة). فالإنسانُ، وعلى مرِّ تاريخِه على هذه الأرض، لم يألُ جهداً في تقديمِ ما ليس باليسيرِ إحصاؤه من الأدلةِ والبراهين على أنَّه كائنٌ مُفسدٌ في الأرضِ سفاكٌ للدماء!