في معنى قولِ اللهِ تعالى “وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖ”

نقرأُ في سورةِ البقرة، وفي الآيتَين الكريمتَين 183- 184 منها، قولَ اللهِ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ). فما هو معنى قولِ اللهِ تعالى “وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ”؟
يُعينُ على تبيُّنِ هذا المعنى، الذي اختلفَ بشأنِه جمهورُ العلماءِ والمفسِّرين، أن نتدبَّرَ الآيةَ الكريمة 249 من سورةِ البقرة: (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ). فالسوادُ الأعظم من جنودِ سيدِنا طالوت “ظنُّوا وتوهَّموا” أن ليس بمقدورِهم مواجهةَ جالوتَ وجنودِه، فقالوا “لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ”.
فالذين “يطيقونَ الصيامَ” إذاً هم الذين “يظنون ويتوهمون” أن ليس بمقدورهم صيامَ شهرِ رمضان. فهؤلاء قومٌ أصحاءُ البدَن مُعافون، مقيمون غيرُ مسافرين، إلا أنَّ اللهَ تعالى قد أعذرَهم فأحلَّ لهم ألا يصوموا وذلك نظيرَ فِديةٍ حدَّدها اللهُ تعالى بإطعامِ مسكين.
وبذلك يتبيَّنُ لنا ألا موجبَ هنالك على الإطلاقِ للقولِ بما ذهب إليه جمهورٌ واسعٌ من العلماءِ والمفسرين من أنَّ الآية َالكريمة “وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ” هي أيةٌ منسوخة! كما أنَّ ليس هنالك من داعٍ، على الإطلاق، للدخولِ في مماحكاتٍ لغوية لتبيانِ أنَّ معنى “يطيقونه” هو “لا يطيقونه”. فلسانُ القرآنِ العظيم هو الحكَمُ وهو الفيصلُ، والأمرُ ليس لنا حتى نُحكِّمَ في لسانِ القرآنِ العربي المبين ما توجبُه “القواعدُ” و”الأحكام” التي جاءَ بها نفرٌ من النحويين الذين ما كانوا ليضعونها لو أنَّهم كانوا عرباً وليسوا بأعاجم!
فصيامُ شهرِ رمضانَ إذاً فرضٌ كتبَه اللهُ تعالى على كلِّ مَن كان صحيحَ البدنِ معافى، مقيماً غيرَ مسافر، واستثنى اللهُ تعالى من ذلك أولئك الذين “يظنون ويتوهمون” أن ليس بمقدورِهم صيامَه، وذلك نظيرَ فِديةٍ “طعامِ مسكين”.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s