نقرأُ في سورةِ المائدة، وفي الآيةِ الكريمة 2 منها، قولَ اللهِ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ). فما هي هذه “القلائد” التي حرَّمَ اللهُ تعالى على الذين آمنوا أن يُحلُّوها؟ وهل هي ذاتُ “القلائد” التي جعلَها اللهُ تعالى شعيرةً من شعائره، وذلك مصداقَ قولِه تعالى (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (97 المائدة)؟
يُعينُ على الإجابةِ بالإيجابِ على هذين السؤالين أن نستذكرَ الحقيقةَ التاريخيةَ التي مفادُها أنَّ “آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ” الذين كانوا يتوافدون على مكةَ المكرمة، ومنذ أن رفعَ سيدُنا إبراهيم وسيدُنا إسماعيل قواعدَ البيتِ الحرام، كانوا يُزيِّنون هَديَهم من الإبلِ والماعزِ والضأن ويُجمِّلونها بقلائدَ من ألوانٍ شتى، وأنَّ اللهَ تعالى كان قد أباحَ لهم فِعلَ ذلك، وحرَّمَ التعرُّضَ لهم بقولٍ يُقبِّحُ فِعلَهم أو عملٍ يَحولُ دونَ قيامِهم به.
وفي هذا ما فيه من رسالةٍ لأولئك الذين حرَّموا ما أحلَّه الله وعسَّروا ما يسَّره بحجةٍ مفادُها أنَّهم إنما يفعلون ذلك “توحيداً لله” و”تطهيراً لِدينِه الحنيف” مما يتوهَّمون أنَّها بِدَعٌ وضلالاتٌ وشِركٌ وخبالات! وهنا لابد لنا من أن نستحضرَ قولَ اللهِ تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (32 الأعراف).