
نقرأُ في سورةِ النمل، وفي الآيةِ الكريمة 40 منها، قولَ اللهِ تعالى: (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ). فأيُّ “علم” وأي “كتاب” يشير إليهما قولُ الله تعالى هذا؟
يُعينُ على تبيُّنِ الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ الحقيقةَ القرآنيةَ التي مفادها أنَّ سيدَنا سليمان ما كان له أن يحظى بعرشِ ملكةِ سبأ بـ “لمحِ البصر” لولا “قوةٌ” ليس بمقدورِ ما بين أيدينا من علمٍ بالطبيعةِ وقواها أن يعلِّلَ لها، وأنَّ هذه “القوةَ” لَتذكِّرُ بما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ قولِ اللهِ تعالى: (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) (50 القمر). وبناءً على ذلك، فإنَّ الكتابَ الذي كان عند الذي أتى سيدَنا سليمان بِعرشِ ملكةِ سبأ علمٌ منه، لا يمكنُ أن يكونَ إلا ذلك الكتاب الذي ذكرَه اللهُ تعالى في مواطنَ قرآنيةٍ عدة، ومنها:
1- (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (59 الأنعام).
2- (وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِين) (من 61 يونس).
3- (وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (75 النمل).