
الإنسانُ مخلوقٌ لا ينتمي لهذا العالَمِ كما تنتمي إليه غيرُه من المخلوقات. وهذه حقيقةٌ لن يكونَ بمقدورِنا أن نفهمَ العلاقةَ المعقدةَ بين الإنسانِ وهذا العالَم إلا من بعد الإقرارِ بها. فالإنسانُ ليس مفردةً من مفرداتِ هذا العالَم حتى يكونَ بوسعِه أن يتبيَّنَ النظامَ الذي بثَّه اللهُ تعالى في ربوعِه ويسَّرَ به أمرَ أهلِه من نباتٍ وحيوان. فالعالَمُ كما يراه الإنسان، قبل أن يُعمِلَ فيه عقلَه، كيانٌ يفتقرُ إلى “النظام” وتسودُه الفوضى. ولقد حتَّمَ ذلك على الإنسانِ أن يفرضَ على العالَمِ “نظاماً مصطنعاً” يسَّرَ له أمرَ التعاملِ مع وقائعِه وأحداثِه وفقاً لهذا “النظام” الذي هو، وبحُكمِ التعريف، ليس النظامَ الذي سبقَ وأن بثَّه اللهُ تعالى في ربوعِه وأصقاعِه! فالإنسانُ لا قدرةَ له على فهمِ العالَمِ بمعزلٍ عن هذا “النظام المصطنع” الذي فرضَه عليه ليتسنَّى له لا أن يشعرَ بالطمأنينةِ والأمانِ فيه فحسب، ولكن ليستشعرَ أيضاً سيادةً عليه وسلطةً وتفوقاً ما أذِنَ اللهُ تعالى له بأيٍّ منها!
ولقد تمخَّضَت عن هذا “النظامِ المصطنع”، الذي فرضَه الإنسانُ على العالم، نظرياتٌ إن كان الإنسانُ قد صاغَها لتُيسِّرَ لعقلِه فهمَ ما يجري فيه من وقائعَ وأحداث، فإنَّه قد أصبح من بعدُ أسيرَها ونسيَ أنَّه هو مَن قامَ بصياغتِها!
فنظرياتُ العِلمِ إذاً هي نِتاجُ هذا “النظامِ المصطنَع” الذي فرضَه عقلُ الإنسانِ على العالَم. ولذلك فهي لا تمثِّلُ حقيقةَ ما يجري فيه، وهي لا تملكُ بعدُ أيَّ سلطةٍ معرفية تُلزِمُنا بأن نخلُصَ إلى ما انتهى إليهِ مَن كفرَ باللهِ تعالى من “علماء” توهَّموا أنَّ لنظرياتِ العلمِ أن تقولَ شيئاً حقيقياً بشأنِ هذا العالَم وما يجري فيه، وأن لا حاجةَ لنا من ثمَّ للقولِ بوجودِ اللهِ تعالى!