
يقولُ اللهُ تعالى: (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ. إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ. الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف) (سورة قريش). فما هو معنى “الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ”؟
يُعينُ على تبيُّنِ هذا المعنى أن نستذكرَ الحقيقةَ التي فصَّلتها الآيةُ الكريمة 37 من سورةِ إبراهيم: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ).
فاللهُ تعالى يُذكِّرُ قريشاً بعظيمِ فضلِه عليهم إذ رزقَهم من كلِّ الثمراتِ التي جاءهم بها الناسُ من كلِّ حدبٍ وصوب: (وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (57 القصص).
فاللهُ تعالى هو الذي جعلَ أهلَ قريش آمنين في حِمى بيتِه العتيق؛ هذا البيتُ الذي جعلَه اللهُ تعالى مثابةً للناسِ وأمناً في مكانٍ وزمانٍ كان الناسُ يُتخطَّفون على أيدي قطاعِ الطرُق: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ) (67 العنكبوت).
فقريشُ ما كان لها أن توجدَ على الخارطة لولا بيتُ اللهِ الحرام الذي لو أنَّ أهلَها قدروه حقَّ قدرِه لما عبدوا مع اللهِ تعالى أحداً ولا أشركوا به شيئاً.