يظنُّ كثيرٌ منا أنَّ بعضاً مما يجري على ألسُنِ الناسِ من كلماتٍ وعبارات لا ينبغي القبولُ بها وذلك طالما كانت بزعمهم تتعارضُ مع ما جاءنا به قرآنُ الله العظيم. وهذا ظنٌّ لا ينبغي الحكمُ بفسادِه وبطلانِه جزافاً هكذا ومن دونِ تفكُّرٍ وتدبُّرٍ وتمحيص. فليس كلُّ ما يجري على ألسُنِ الناسِ من كلماتٍ وعبارات سواء. صحيحٌ أنَّ كفةَ الميزانِ ترجحُ تحت وطأةِ ثقلِ ما هو فاسدٌ وباطلٌ مما يجري على ألسنِ الناس، غيرَ أنَّ هنالك نزراً يسيراً مما تسمعُهُ الأذن وتقرأُه العينُ من كلامِ الناسِ وأقوالِهم لا يمكنُ إلا أن يكونَ قد تسرَّبَ إلى “اللسانِ العام” مما سبقَ وأن نطقَ به أولئك الذين صغت قلوبُهم وصفت نفوسُهم فنطقت ألسنتُهم بدرَرِ الكلامِ ونفائسه.
ومن ذلك عبارةُ “لعلَّ وعسى”. فهذه العبارةُ يعودُ أصلُها إلى مَن جعلَه حالُه مع اللهِ تعالى يوقِنُ بأنَّ اللهَ قادرٌ على أن يفعلَ ما يشاء أنَّى يشاء، وأنَّه هو وحدَه مَن بمقدورِه أن يقولَ للشيءِ إذا أرادَه “كُن فيكون”. ومَن كان هذا هو حالُه مع اللهِ تعالى لا ينبغي أن يُستغربَ منه القولُ بـ “لعلَّ وعسى”، خصوصاً إذا ما تذكَّرنا أنَّ أصلَ “لعلَّ وعسى” هو “لعلَّ اللهَ” و”عسى اللهُ”. فكيف نريدُ مَن كان هذا هو حالَه مع اللهِ تعالى، إيقاناً بقدرةِ اللهِ المطلقة وتصديقاً بأنَّ الأمرَ كلَّه لله، ألا يقولَ “لعلَّ اللهَ” و”عسى اللهُ” وهو يقرأُ في القرآنِ العظيم:
1- (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) (من 1 الطلاق).
2- (فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) (من 52 المائدة).
3- (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (7 الممتحنة).
4- (فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) (99 النساء).
5- (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا) (من 84 النساء).