
نقرأُ في سورةِ المائدة، وفي الآية الكريمة 44 منها، قولَ اللهِ تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاء).
فهل أنزلَ اللهُ تعالى التوراةَ على سيدِنا موسى جملةً واحدة؟
ومتى أُنزِلَت التوراة؟
وما علاقةُ التوراة بـ “الألواح” التي كتبَ اللهُ تعالى لسيدِنا موسى فيها ما بوسعِنا أن نتبيَّنَ شيئاً بخصوصِه بتدبُّرِنا قولِ اللهِ تعالى: (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ) (من 145 الأعراف)؟
وهل التوراةُ هي ذاتُها “الكتاب” الذي آتاهُ اللهُ تعالى سيدَنا موسى: (وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا) (2 الإسراء)، (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (43 القصص)؟
يُعينُ على الإجابةِ على الأسئلةِ أعلاه أن نستذكرَ الحقيقةَ القرآنيةَ التي مفادها أنَّ اللهَ تعالى لم يُنزِل قرآنَه العظيم على رسولِه الكريم صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم جملةً واحدة حتى يُنزِلَ التوراةَ على سيدِنا موسى جملةً واحدة: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا) (32 الفرقان). فاللهُ تعالى أنزلَ التوراةَ مُرتلةً تراتيلَ كلٌّ في زمانٍ بِعَينِه ومكان.
وأولُ ما نزلَ من التوراة كان في مصرَ بعد أن اشتدَّ عُودُ سيدِنا موسى وأصبحَ أهلاً لأن يتلقَّى عن اللهِ تعالى أُولى كلماتِ هذا الكتابِ المبارك: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (14 القصص).
وكانت الألواحُ، التي كتبَ اللهُ تعالى لسيدِنا موسى فيها من أوامرِه ونَواهيه ما فيه نورٌ وهدىً لقومِه، إضافةً تاليةً أسهمت في تكوينِ التوراة بشكلِها النهائي الذي احتفظَ به علماءُ بَني إسرائيل وتوارثوه جيلاً بعد جيل وجعلوه قراطيس (أي لفائف) يُبدونها ويُخفون كثيراً منها.
فالتوراةُ إذاً هي مُجملُ ما تلقَّاهُ سيدُنا موسى من اللهِ تعالى تعليماً وتكليماً وكتابةً في الألواح ووحياً وفرقاناً مُبيناً.