
تقومُ نظرةُ العلمِ إلى الإنسان على أساسٍ من ماضيه الذي يزعمُ أنَّه ماضٍ حيوانيٌّ بالتمامِ والكلية! فالإنسانُ، كما يراهُ العلمُ الذي بين أيدينا، كائنٌ لا يتمايزُ عن الحيوانِ في شيءٍ إلا بـ “التعقيدِ الفائق” الذي تنطوي عليه بُنيتُه البايولوجية وفعالياتُه الفسيولوجية فحسب! ومقاربةُ العلمِ للإنسانِ هذه تعجزُ عن التعليلِ لكثيرٍ من سلوكياتِ الإنسان، وبخاصةٍ ما كان منها ذا صلةٍ بعلاقةِ الإنسانِ بأخيه الإنسان وبغيرِه من كائناتِ العالَم وكياناتِه. فمقارنةٌ على عُجالةٍ بين سلوكياتِ الإنسانِ وسلوكِ الحيوان، وذلك على قدرِ تعلُّقِ الأمرِ بعلاقةِ كلٍّ منهما بمحيطِه وبيئتِه وما يتواجدُ فيهما من كائناتٍ وكيانات، لابد وأن تنتهيَ بنا إلى وجوبِ الإقرارِ بما تمتازُ به سلوكياتُ الإنسان من إسرافٍ وهَدرٍ وتبديدٍ وإفراطٍ وتفريطٍ وطغيان، وذلك على خلافِ ما تُظهرُه لنا هذه المقارنةُ من انضباطٍ صارمٍ وتقيُّدٍ بقوانينَ غيرِ مرئيةٍ يُلزِمُ الحيوانُ بها نفسَه فلا يحيدُ عن حدودِها كما يفعلُ الإنسان! فلو كان الإنسانُ هو حقاً كما يزعمُ العلم، فلماذا تكونُ السِّمةُ الغالبةُ على سلوكياتِه هي هذا الطغيانَ الذي يشوبُ السوادَ الأعظمَ منها؟
تُلزِمنا الإجابةُ على هذا السؤال بوجوبِ القولِ بأنَّ العلمَ ليس له أن يقولَ في أصلِ الإنسان ما لا ينبغي له وهو الذي لا قدرةَ له، بحكمِ التعريف، على تجاوزِ حدودِ الزمانِ والمكان!