
نقرأُ في سورةِ البقرة، وفي الآيةِ الكريمة 63 منها، قولَ اللهِ تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). فما هو معنى “وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ” في هذه الآيةِ الكريمة؟
لم يحظَ قومُ نبيٍّ من أنبياءِ اللهِ تعالى بمثلِ ما حظِيَ به قومُ سيدِنا موسى من فضلٍ من اللهِ عظيمٍ تجلَّى عليهم وبما مكَّنَهم من أن يشهدوا بأُمِّ أعيُنِهم من عجائبِ قدرتِه وعاجلِ تدخُّلِه ما يكفي “مَن كان له قلبٌ أو ألقى السمعَ وهو شهيد” أن يؤمِنَ باللهِ تعالى إيماناً منقطعَ النظير. غيرَ أنَّ القومَ لم يزدادوا بهذا الفضلِ من اللهِ تعالى إلا إمعاناً في الغَيِّ وإيغالاً في النأيِّ عن صراطِ اللهِ المستقيم! وإلا لَما آذَوا سيدَنا موسى إيذاءً بوسعِنا أن نتبيَّنَ لمحةً منه بتدبُّرِ الآيتَين الكريمتَين: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (5 الصف)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا) (69 سورة الأحزاب).
وإلا فهل يُعقَلُ أن يصدرَ عن القومِ كلُّ هذا الجحودِ والنكران واللهُ تعالى قد أراهم من آياتِه الكبرى ما يكفينا حتى نتبيَّنَه أن نتدبَّرَ الآيةَ الكريمة 63 البقرة أعلاه. فاللهُ تعالى رفعَ الطُّورَ (وهو جبلٌ شاهقٌ سامقٌ من جبالِ سَيناء) فوقَ رؤوسِهم فلم يزِدهم ذلك إلا طغياناً وكفراً: (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ) (من 171 الأعراف).