
نقرأُ في سورةِ آل عِمران، وفي الآيةِ الكريمة 154 منها، قَولَ اللهِ تعالى (وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ). فما هو معنى ” وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ” في هذه الآيةِ الكريمة؟
يُعينُ على تبيُّنِ هذا المعنى أن نستذكرَ ونتدبَّرَ قولَ اللهِ تعالى في الآية الكريمة 179 من سورةِ آل عمران: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ).
وهو عينُ المعنى الذي بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِ الآيتَين الكريمتَين 10- 11 من سورةِ العنكبوت: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ. وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ).
فتمحيصُ القلوبِ إذاً هو اضطرارُ اللهِ تعالى لها لتكشفَ عن حقيقةِ ما هو كامنٌ فيها مستترٌ عن أعيُنِ البشرِ كلِّهم جميعاً وإن كانوا أصحابَها! فالمرءُ لن تتبيَّنَ له حقيقةُ إيمانِه إلا بهذا “التمحيصِ الإلهي” الذي لن يعدمَ وسيلةً ليرغمَ قلبَه على الإفصاحِ عن مكنونِه من إيمانٍ حقيقي أو نفاقٍ متوارٍ عن الأنظار.